نص كلمة رئيس الحكومة في المنتدى الاسلامي الاقتصادي العالمي بماليزيا‎

weifcg17.jpg

كما أتوجه بالشكر الجزيل للجنة المنظمة للدورة 13 من المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي، وخاصة إلى معالي تون موسى هيتام « Tun Musa Hitam »رئيس مؤسسة المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي،وإلى رئيس وزراء ساراواك،معالي الدكتور أبانغ حاجي عبد الرحمنجوهريبن تون داتوك أبانغ هاجي أوبينغ،
« Dr Abang Haji Abdul Rahman Zohari Bin Tun Datuk Abang Haji Openg »
وإلى معالي الدكتور بندر الحجار، رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية.
وإنه لمن دواعي السرور أن افتتح معكم الدورة الثالثة عشرة لهذا المنتدى، التي تتشرف بحضور ثلة من القادة والمسؤولين السياسيين والكفاءات العلمية والفعاليات الاقتصادية والإعلامية، من مختلف أنحاء المعمور.
أيها السيدات والسادة،
إن حضور المملكة المغربية، من خلال مشاركة وفد هام، قادما من أقصى مغرب العالم الإسلامي إلى أقصى شرقه، لبرهان على قوة وشائج الأخوة والتضامن التي تجمعنا.
ولقد كان المغرب، وما زال، شديد الحرص على العمل المشترك في القضايا المصيرية للأمة، وهو ما سبق أن أكد ودعا إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في عدة خطب ومناسبات وفي عدد من المؤسسات، وعلى وجه الخصوص في اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي وبصفته رئيسا للجنة القدس الشريف.
أيها السيدات والسادة،
إنه غني عن البيان، أن عالم اليوم،المترابط، يشهد تغيرات كبرى،شديدة الأثر وتتسم بطابع المفاجئة، كما قد تحمل في طياتها تحولات جذرية،وبالتالي فإن موضوع هذه الدورة المنظمة تحت شعار "التغيرات الكبرى: الآثار والتحديات" في انسجام واتساق تامين مع هاته التطورات.
إن المواضيع التي يتناولها هذا المؤتمر تكتسي أهمية قصوى في عالم متقلب، يصعب معه التكهن بما ستؤول إليه الأمور في العقد المقبل وما يليه، مما يستوجب مقاربة استباقية وإرادية.
أيضا فإن هذه التغيرات تشمل جميع مناحي الحياة، من تطورات تكنلوجية وتغيرات للبيئة وندرة للمياه ونضوب للموارد الطبيعية وتحولات ديموغرافية واتساع رقعة وأسباب الهجرة والحروب والنزاعات الإقليمية والإرهاب، إلى غير ذلك.
إن هذه التحديات تتجاوز الكيانات الوطنية، وتأخذ طابعا دوليا، تستلزم منا إرادة جماعية ومقاربة مندمجة وقرارات حاسمة وإنجازات ملموسة، وهو ما يتطلب التباحث والتداول لتوحيد الرؤية والعمل المشترك، من أجل تذليل الصعاب وربح الرهانات الكبرى حاضرا ومستقبلا.
إنها مسؤولية جماعية عظمى ملقاة على عاتقنا، ونرجو من الله التوفيق والسداد في أدائها حقها.
ويقينا، فإن هذه المشاكل نتاج لسلوكات الإنسان. وإن انتماءنا للأمة الإسلامية، يلزمنا بالإسهام الفعال في البحث عن سبل تجنب وقوع هذه الآفات وتخفيف آثارها على البشرية جمعاء.
أيها السيدات والسادة،
إن الدول الإسلامية، حكومات وشعوبا، مطالبة أكثر من أي وقت مضى على مضاعفة الجهود من أجل:
1.     الحفاظ على الاستقرار وتحمل الصدمات والأزمات
2.     استباق آثار وتحديات التغيرات الكبرى.
1.                الحفاظ على الاستقرار وتحمل الصدمات والأزمات
وهنا أود بهده المناسبة أن أتقاسم معكم بعض الإصلاحات التي اعتمدتها المملكة المغربية للحفاظ على الاستقرار وتحمل الصدمات والأزمات.
أولا: تفاعل متميز مع الربيع الديمقراطي والتحولات في المنطقة العربية
لقد أبدع المغرب طريقا ثالثا للتجاوب والتفاعل مع ما سمي بالربيع العربي، حيث اعتمد مبدأ "الإصلاح في إطار الاستقرار"، بمقاربة تشاركية واسعة،انخرطت فيها المؤسسات الرسمية والشعبية، وأسفرت، بإرادة ملكية، عن اعتماد دستور جديد للمملكة سنة 2011، قوامه ركيزتان اثنتان، تتمثلان في الديمقراطية والحكامة الجيدة.
ثانيا:الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى وتحسين مناخ الأعمال
لقد بذل المغرب جهودا كبيرة للحفاظ على استقراره الاقتصادي، خاصة من خلال الحفاظ على توازناته الماكرو-اقتصادية،ومواصلة سياسته للاستثمار العمومي، وهو ما ساهم في الحد من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة.
كما أن المغرب تبنى، منذ عقود، اقتصاد السوق والانفتاح كخيار استراتيجي. وبناء على ذلك، فإن المقاولة باعتبارها محركا أساسيا للتنمية والتشغيل، فإن الحكومة وضعت في صلب أولوياتها تسهيل حياة المقاولة وتحسين مناخ الأعمال.
وأود هنا أن أذكر بأن الاقتصاد المغربي حافظ باستمرار على أدائه بوصفه الاقتصاد الرئيسي الثالث في أفريقيا منذ عام 2000، بمواصلة تحسين مناخ الأعمال،وانتقل من الرتبة 128 سنة 2010 إلى الرتبة 69 حاليا في مؤشر ممارسة الأعمال Doing Business. وتكريس نفس التوجه،فقد التزمت الحكومة المغربية الحالية، التي أتشرف برئاستها، من تمكين المغرب من ولوج دائرة الاقتصادات الخمسين (50) الأوائل عالميا في نفس هذا المؤشر، قبل سنة 2021.
ثالثا:إصلاحات كبرى وسياسة اجتماعية إرادية.
بالموازاة مع اعتماد المغرب لعدد من الاستراتيجيات القطاعية والإصلاحات الكبرى وتطوير بنياته التحتية على امتداد عقود، فإنه يعمل على تحسين مؤشراته في التنمية البشرية،من خلال اعتماد سياسات وبرامج اجتماعية إرادية، من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (National Human development Initiative)وتوسيع التغطية الصحية وإصلاح منظومة التعليم والعمل على تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
2.                استباق آثار وتحديات التغيرات الكبرى
بالرغم مما تم تحقيقه من إنجازات، ساهمت في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لا زالت أمامنا تحديات تزيد من حدتها التغيرات الكبرى سالفة الذكر، ولذلك وجب العمل على:
أولا-تجويد النظام التعليمي
إن تطوير جودة التعليم وتنمية المهارات وثقافة المبادرة أمور أساسية لبناء القدرات القادرة على مواجهة كافة التحديات،ومن تجليات اهتمام المملكة المغربية بهذا القطاع، تخصيص ربع ميزانية الدولة لقطاع التربية والتعليم.
ثانيا-حسن تدبير  تحدي ندرة المياه
إن المغرب مرشح، على غرار عدد من الدول الأخرى، لمواجهة نقص حاد في موارده المائية، ووعيا منه بذلك فقد اعتمد منذ عقود سياسة السدود المائية، وهو الآن يعمل على تجديد استراتيجيته في هذا المجال، مبنية أساسا على ترشيد استهلاك المياه واعتماد أنظمة نقل المياه وتحلية میاه البحر وجمع میاه الأمطار وإعادة استخدام المیاه العادمة وتطوير أنظمة الري عالية الجودة...
ثالثا-التنمية المستدامة والطاقات المتجددة
إن عالم الغد، وضمنه المغرب، سيعرف اضطرابات كبرى بفعل التغيرات المناخية والتطورات الديموغرافية وارتفاع الحاجة إلى الطاقة. وكعملية استباقية لمواجهة هذا التحدي، أطلق المغرب منذ سنوات ورشا طموحا وواعدا، يروم من خلاله زيادة حصة الطاقة المتجددة لتمثل 52٪ في عام 2030. وبفضل هذه الإنجازات، فإن التقارير الدولية تعتبر التجربة المغربية في إنتاج الطاقة الشمسية،رائدة على المستوى العالمي.
رابعا-دعم المبادرة الخاصة وتشجيع الابتكار
لمواجهة احتداد المنافسة الذي تعرفه جميع اقتصاديات العالم، يتوجب دعم المبادرة الخاصة وتشجيع الابتكار، خاصة لمواكبة واستباق التغيرات التكنولوجية المتسارعة التي تطال جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية،وأيضا التعليم والصحة والإعلام...
خامسا-استثمار فرص التمويلات البديلة.
استجابة لمتطلبات السوق المغربية ووعيا منه بأهمية التمويلات البديلة، وما تتيحه من فرص استثمارية في شتى المجالات، انطلق ببلادنا العمل بهذا الصنف من المعاملات الاقتصادية،الذي يعرف توسعا كبيرا ومطردا في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، وسيتم اتخاذ المزيد من التدابير لتوفير المناخ المناسب لمواكبة هذا التوسع ولتمكين هذه التمويلات من تحقيق التنمية المرجوة.
سادسا-تحقيق التكامل الإقليمي والقاري مع دعم اللامركزية
وعيا باستحالة تحقيق أي تنمية مستدامة بدون تحقيق مستوى عال من التكامل والاندماج، يعمل المغرب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة محمد السادس،على تحقيق تكامل إقليمي وقاري، خاصة مع إفريقيا، من أجل الربح المشترك ورفع القدرات الذاتية للدول في إطار من التكامل الإيجابي.
من جهة أخرى، لابد أن يقترن ذلك بسياسة قوية من اللامركزية،توفر للمناطق والأقاليم المرونة الكافية والسرعة الضرورية للتكيف محليا مع التغيرات الكبرى، وهو ما قد تفتقر إليه في بعض الأحيان المقاربات المركزية.
إن الدورة الحالية لهذا المنتدى فرصة للتأكيد على أنه يجب على العالم اليوم أن يسير في اتجاه الانفتاح والتعاون والتضامن بشكل أفضل،للاستجابة لانتظارات الشعوب وتطلعها إلى ظروف معيشية لائقة من حيث التعليم والصحة وفرص الشغل والأمن والاستقرار.
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تعميق الحوار وتبادل الأفكار والتجارب الناجحة، التي من شأنها أن تساعد على اختصار الوقت والجهد لبلوغ أهداف مجتمعاتنا.
وفي الختام، أتمنى النجاح لهذا المؤتمر، وأتوجه بالشكر إلى جميع الحاضرين، وكذلك لجميع الذين ساهموا في تنظيم هذه الدورة، وشكرا على اهتمامكم.

النشرة الإخبارية