كلمة رئيس الحكومة بمناسبة افتتاح المؤتمر الدولي حول الأمن المائي
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
السيدات والسادة أصحاب المعالي، الوزيرات والوزراء؛
السيدات والسادة أصحاب السعادة، السفيرات والسفراء؛
السيدات والسادة الأفاضل ممثلي المنظمات والهيآت ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية؛
السيدات والسادة، ممثلي مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية؛
حضرات السيدات والسادة،
يسعدني، أن أشارككم اليوم افتتاح أشغال هذا المؤتمر الدولي حول الأمن المائي الذي ينعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره في موضوع " من أجل تدبير تشاركي ومبتكر للحوض المائي "، والذي يندرج ضمن مسلسل التظاهرات التحضيرية للمنتدى العالمي التاسع للماء، المزمع انعقاده بالقارة الإفريقية سنة 2021 بداكار.
والرعاية الملكية السامية لهذا المؤتمر تعكس الأهمية الكبرى التي يوليها جلالة الملك حفظه الله شخصيا لموضوع الماء والحرص على توفير الأمن المائي على المستوى الوطني والإفريقي والدولي.
أيها الحضور الكريم
كلنا يعلم أن الماء يشكل مصدرا للحياة، وموردا تنبني عليه الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية للدول والمجتمعات. وأن توفيره بالكمية والجودة المطلوبتين، وبشكل منتظم ومستدام، يعتبر من التحديات الكبرى التي يواجهها العالم. وهو ما يستلزم منا جميعا، مزيدا من التعاون والتآزر، كي نضمن لبلداننا وشعوبنا الشروط الضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، دون المساس بالحقوق الثابتة للأجيال المقبلة في الثروة المائية.
ويسعدني هنا أن أذكر بأن بلادنا قد راكمت تجربة مهمة وعريقة في تدبير الماء والحفاظ عليه وحسن استعماله. ولعل التجهيزات المائية في المدن التاريخية الكبرى كفاس ومراكش، وكذلك الآليات والوسائل التي كان يستعملها سكان المناطق التي تتواجد في بيئة مناخية قاسية، وتوارثها الأبناء عن الأجداد، خير دليل على ذلك.
ومن المعلوم أن مسألة تدبير الماء ببلادنا يكتسي طابعا حيويا نظرا لصعوبة الظروف المناخية، إذ يتميز النظام الهيدرولوجي ببلادنا بتباين توزيع الموارد المائية في المجال كما في الزمان، مع تعاقب فترات ممطرة وفترات جفاف يمكن أن تستمر لعدة سنوات.
وفي ظل هذه الظروف الطبيعية، نهج المغرب سياسة مائية، ارتكزت في مراحلها الأولى أساسا على تعبئة الموارد المائية السطحية عبر إنجاز تجهيزات مائية كبرى لتخزين المياه أثناء فترات الوفرة، كالسدود والأحواض المائية، وهي السياسة التي مكنته من توفير الماء الشروب والصناعي وتلبية الحاجيات من مياه الري، وبالتالي تأمين التزويد بالماء وتجاوز فترات الجفاف بأقل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية.
ومن أجل استمرارية تلبية حاجيات البلاد من الماء ومواكبة الأوراش الكبرى التي أطلقها المغرب وتفادي حدوث اختلال التوازن بين العرض والطلب على هذه المادة الحيوية، يتم إعداد مشاريع وثائق التخطيط المتمثلة في المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية على صعيد الأحواض المائية، ومشروع المخطط الوطني الأولوي للماء على المستوى الوطني، الذي حدد الأولويات الوطنية وبرامج العمل التي تهدف إلى تلبية الحاجيات المائية للبلاد في أفق سنة 2030.
وبهدف إرساء سياسة استباقية لتخطيط وتدبير الماء على مدى أطول، وأخذا بعين الاعتبار مقتضيات القانون الجديد المتعلق بالماء، فإن الحكومة تعمل حاليا على تحيين ومراجعة المخطط الوطني للماء، بهدف التوفر على تخطيط استباقي مائي على الصعيد الوطني لضمان الأمن المائي الوطني في أفق 2050.
أيها الحضور الكريم
لقد أصبحت إشكالية الأمن المائي، والذي تزيد من حدته التغيرات المناخية المتلاحقة، من أكبر التحديات المطروحة على الصعيد العالمي؛ وما لبثت التحذيرات يوما بعد يوم، على المستوى الدولي والجهوي والمحلي، تؤكد بأن مواردنا المائية في خطر، وأن مواجهة الإكراهات ورفع التحديات تتطلب منا اقتراحات إبداعية وحلولا استشرافية ومبادرات استباقية، في ظل تزايد الأخطار التي تحيط بنا على جميع الأصعدة.
وأغتنم فرصة هذا اللقاء للتذكير بانخراط المغرب في المبادرات الدولية الرامية إلى رفع التحديات المرتبطة بالبيئة والتغيرات المناخية عامة، والأمن المائي خاصة، وكذا بالتزام المملكة تجاه المنتظم الدولي الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في القمة 21 للمناخ في باريس، ولعل الرعاية السامية التي يحظى بها هذا المؤتمر خير شاهد على العناية الخاصة التي يوليها جلالته لإشكالية الحفاظ على الماء وضمان الأمن المائي.
وإن المملكة المغربية، لتضع تجربتها رهن إشارة إخوانها وأصدقائها الأفارقة، ورهن إشارة المنتظم الدولي، كما أنها تتطلع في الوقت نفسه إلى الاستفادة من تجارب الآخرين ونقل التكنلوجيا والخبرات والمهارات.
وختاما، أجدد الترحيب بكم جميعا وأتمنى لكم مقاما طيبا في بلدكم المغرب، كما أتمنى أن تُكلل أعمال المؤتمر بالنجاح والتوفيق من خلال بلورة توصيات ملائمة وناجعة لرفع التحديات الكبرى التي يواجهها قطاع الماء، والمتمثلة أساسا في محدودية وانخفاض الموارد المائية، إضافة إلى تزايد شدة الظواهر القصوى، كالجفاف والفيضانات، تحت تأثير التغيرات المناخية، واستنزاف الموارد المائية الجوفية وتدهور جودة المياه وضعف مردودية وتثمين الموارد المائية، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتمويل.
واستلهاما مما قامت به مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، رفقة شركائها، بإحداث “شبكة الشباب الإفريقي من أجل المناخ”، والتي تهدف إلى إعلاء الحس القيادي والابتكار، وإبراز الدور الإيجابي للشباب الإفريقي، فإنني أقترح عليكم، إيلاء فئة الشباب دورا رئيسا في المخرجات التي ستقترحونها لمواجهة هذا التحدي العالمي، فإن إشراك الشباب وانخراطه الفعلي في هذه الدينامية، ضامن لتحقيق "تدبير تشاركي ومبتكر" الذي اتخذتموه شعارا لمؤتمركم.
ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في تنظيم وإنجاح هذا المؤتمر الذي أتمنى أن تكلل أعماله بالنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته