كلمة السيد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة بمناسبة الاجتماع الخامس للجنة الوزارية للخطة الحكومية للمساواة "إكرام"

4.jpeg

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه،


السيدات والسادة الوزراء؛ 
حضرات السيدات والسادة؛
يسعدني أن أترأس اليوم أشغال الاجتماع الخامس للجنة الوزارية للمساواة الذي سيخصص أساسا لتدارس "البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في أفق 2030 "؛ وهو البرنامج الذي يعد تعزيزا لاختيار المغرب الراسخ في التمكين القانوني والمؤسساتي للمرأة المغربية، وفق مقتضيات دستور 2011، المؤسِّسة لمبدأ المساواة في الحقوق والحريات، والسعي نحو المناصفة، وتحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع.
إن البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في افق 2030، هو امتداد لانخراط المغرب، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في اعتماد استراتيجيات وسياسات وبرامج عمومية في مجال التنمية المستدامة، تهدف كلها الى وفاء المغرب بالتزاماته الوطنية والدولية،  وخصوصا خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، عبر  تنزيل  الهدف الخامس من خطة التنمية العالمية والمتمثل في " تحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين للنساء والفتيات"، وكذا التزام الاتحاد الافريقي في جعل المساواة هدفا منشودا في افق 2025، وهي التزامات  وطنية ودولية وافريقية تهدف الى جعل المرأة المغربية في صلب العملية التنموية الالتزامات الدولية منسجمة مع التزامات الوطنية للمغرب.
وقد شهد المغرب انفتاحا على القارة الإفريقية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بوصفها مجالات تؤكد الحضور الوازن للمرأة الإفريقية، وذلك ما عبر عنه صاحب الجلالة في القمة العالمية الثانية لمبادرة “نساء في إفريقيا” من خلال الرسالة السامية لجلالته التي وجهها إلى المشاركات والمشاركين في أشغال هذه القمة، والتي أكدت على أن إفريقيا في حاجة إلى نساء رائدات، وإلى كل طاقاتهن وكفاءاتهن، من مسيرات ورئيسات مقاولات وفاعلات جمعويات، يسهمن في تغيير أوضاع بلدانهن، ويسخرن إمكاناتهن الهائلة، من أجل انبثاق قارة إفريقية قوية وموحدة، تواصل السير بثقة وعزم، من أجل تحول مستمر نحو الأفضل ،وفي ظل إستراتيجية ناجعة للتنمية المستدامة في أفق 2030.
من جهة أخرى، لا يخفى عليكم أن البرنامج الحكومي للولاية التشريعية 2016-2021 قد خصص في محوره الأول: دعم الخيار الديموقراطي ودولة الحق والقانون وترسيخ الجهوية المتقدمة. وجعل من اهداف هذا المحور «صون حقوق وكرامة المواطن وتعزيز الحريات والمساواة". ولتحقيق هذا الهدف، تم التنصيص على الاجراء الآتي " تعزيز حقوق المرأة وتفعيل مبدأ المساواة، واعتماد خطة حكومية ثانية للمساواة: إكرام 2، وتقوية برنامج الإدماج الاقتصادي للمرأة والتمكين لها في الحقل التنموي". 
وفي هذا الإطار، نكون اليوم أمام مرحلة مهمة في تنزيل البرنامج الحكومي من خلال المصادقة على هذا البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء، آملين أن يساهم هذا في تجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر منها بلدنا نتيجة تداعيات جائحة "كوفيد 19"، والتي مست الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مما يتطلب جهدا جماعيا وحسا وطنيا لإنجاح كل المبادرات التي تمكن اقتصاديا للمرأة وتدعم برامج الحماية الاجتماعية المعتمدة ببلادنا.

حضرات السيدات والسادة؛
لقد قطع المغرب أشواطا عديدة ومهمة بخصوص النهوض بحقوق النساء، انطلاقا من مدونة الأسرة، من خلال الحد من كافة أشكال التمييز ضد النساء، ومناهضة العنف تجاههن عبر تبني آليات تمكن من حماية المرأة من كافة أشكال العنف والتمييز. كما أن بلادنا تتوفر على سياسة عمومية مندمجة في مجال المساواة "الخطة الحكومية للمساواة (إكرام 2)" والتي اعتمدناها خلال الاجتماع الأخير للجنة الوزارية التي عقدناها في 20 يوليوز 2018. وقد جاءت هذه الخطة الثانية بعد مسار دام زهاء سنة ونصف شمل عدة مشاورات ولقاءات وفق مقاربة تشاركية، ترصيدا للمكتسبات المحققة إثر تنزيل الخطة الحكومية الأولى للمساواة "إكرام 2012-2016.
وترتكز هذه الخطة على التخطيط المبني على النتائج، وعلى المقاربة المجالية والتنزيل الترابي في البرمجة والتتبع، ستمكن دون شك من التعاطي بنجاعة أكبر مع احتياجات المواطنات والمواطنين من جهة، والمساهمة في تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية من جهة ثانية.
وعلى ضوء كل هذه المكتسبات، شهدت الحياة العامة تطورات مهمة مكنت من ضمان الحماية القانونية للنساء من كافة أشكال التمييز والعنف، ومن تعزيز مشاركة المرأة في مختلف المجالات بفضل الإصلاحات القانونية وإجراءات الدعم الإدارية التي اتخذت، والتي كان من ثمارها تطور مؤشرات تمثيلية النساء على كافة المستويات.
وفي مجال حماية النساء والفتيات وتعزيز حقوقهن ومحاربة العنف ضدهن، تعتمد الحكومة على مقاربة متعددة الأبعاد ترتكز على الوقاية والحماية والتكفل، فضلا عن تعزيز الإطار التشريعي لحماية النساء، مع استحضار البعد الترابي في استهداف وتلبية المتطلبات الخاصة في كل مجال ترابي معين. وفي هذا الإطار، تم إصدار القانون 103.13 يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي يحدد المقتضيات الأساسية المعتمدة في التصدي لظاهرة العنف ضد النساء، وهي زجر مرتكبي العنف والوقاية من العنف وحماية ضحايا العنف والتكفل بالضحايا، وغيرها من المقتضيات القانونية التي من شأنها حماية النساء من العنف.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذا البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء هو في الواقع استمرار لدينامية متعددة الأبعاد دشنها المغرب منذ سنوات، من خلال إصدار مدونة الاسرة، كما أسلفت، وإصلاح القانون الجنائي لحماية النساء ضحايا العنف، إضافة الى التمكين المؤسساتي لحضور النساء في مختلف مستويات المسؤولية بالمؤسسات الدستورية التنفيذية منها او التشريعية أو القضائية وغيرها من مؤسسات الحكامة، وأيضا على المستوى الجماعات الترابية. ناهيك على أن بلادنا راكمت تجربة مهمة في مجال ميزانية النوع الاجتماعي؛ حيث اصبحت هذه الميزانية التزاما سنويا بلغة الأرقام يعبر من خلاله المغرب عن صدقية مساعيه في إحقاق مبدأ المساواة والتمكين الاقتصادي للنساء.
إن التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية عبر هذا البرنامج فرضته حاجة المجتمع الملحة. فالأرقام الرسمية تشير الى ارتفاع عدد الاسر التي تعولها نساء، وهو ما يعني ضرورة المصاحبة الاقتصادية لهذه الأسر، من خلال برامج الحماية الاجتماعية المعتمدة في بلادنا لجعل هؤلاء النساء قادرات على ضمان العيش الكريم لأسرهن، ومن خلال مشاريع تنموية مدرة للدخل تأخذ بعين الاعتبار وضعيتهن السوسيو-مهنية، ذلك أن التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية يعد بمثابة صمام أمان للأسرة حتى تقوم بأدوارها الحيوية في الرعاية والتنشئة والاحتضان.
وعلاقة بأهداف التنمية المستدامة والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، فإن هذا البرنامج الوطني سيمكن بإذن الله من تحقيق مجموعة من الأهداف في أفق سنة 2030، خاصة فيما يتعلق بتثمين الرأسمال البشري والحد من الهشاشة والتفاوتات الاجتماعية والمجالية وتلك المتعلقة بالنوع، وتعزيز النمو الاقتصادي المحدث للشغل اللائق، ولا سيما لفائدة الشباب والنساء.


ذلك أن البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء يركز على تعزيز فرص الولوج المتساوي للعمل اللائق، مع توفير فرص الولوج والارتقاء المهني، من خلال التربية والتكوين وتأهيل البيئة الملائمة الآمنة والمستدامة للتمكين الاقتصادي للنساء، ويوفر ضمانات لتيسير إقلاع ونجاح المقاولة النسائية ومواكبتها بولوج عالم الرقمنة وتملك وسائل التكنولوجيا الحديثة، ويرتقي بالوضعية الاقتصادية للمرأة بالعالم القروي... لأن من شأن تجويد فرص عمل النساء وولوجهن للعمل اللائق، ورفع معدلات التحاق الفتيات بالتعليم، وتوجيههن للشعب العلمية والتوجهات الواعدة، وتوظيف النساء على قدم المساواة مع الرجال، أن يسهم في تحسين مؤشرات إدماج المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وأن يدفع بإنتاج مؤشرات أخرى تستهدف المساواة وتمكين النساء. وهذا يتماشى والتوجه الذي تؤكده الحكومة حول اعتماد الرقمنة والاستثمار في القطاعات التكنولوجية. 
كما أن هذا البرنامج المندمج سيستفيد من الدينامية الحالية التي يشهدها المغرب، خاصة المبادرة الملكية الأخيرة والمتمثلة في البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات "برنامج انطلاقة"، والنموذج التنموي الجديد الذي يصبو إلى وضع سياسات منسجمة تستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه، على غرار الخطة الحكومية للمساواة "إكرام"، وبالنظر إلى كون هذا البرنامج يشكل إطارا لالتقائية البرامج والسياسات القطاعية، فإن عددا مهما من إجراءاته تندرج في إطار الميزانيات الخاصة للقطاعات الحكومية، وجزء آخر يمكن تمويله عبر الشراكات الممكنة مع المجالس الترابية في إطار تنفيذ برامجها وخططها المجالية، وعبر التمويلات الخارجية التي يمكن تعبئتها لدى المؤسسات الدولية إلى جانب الدعم التقني. 

حضرات السيدات والسادة؛
قبل أن أختم هذه الكلمة، أود أن أنوه بالمجهودات التي تقومون بها وأريد أن أحيي هذا المجهود الجماعي  والمقاربة التشاركية التي ميزت بلورة هذا البرنامج وشملت جميع مكونات المجتمع المغربي، من سلطات عمومية، ومؤسسات وطنية، وجماعات ترابية، وقطاع خاص، وجامعات، ومجتمع مدني؛ وإذ أشيد بالانخراط القوي لجميع القطاعات الحكومية والعمل المثمر للجنة التقنية المكلفة بتتبع تنفيذ الخطة "إكرام" والذي ساهم في إخراج هذا البرنامج إلى حيز الوجود، فإننا نراهن على تفعيل إجراءاته من خلال العمل على ترجمتها على أرض الواقع لتشمل مجموع التراب الوطني في إطار تعاقدي مع الجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني والقطاع الخاص والجامعات.
 
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
 

النشرة الإخبارية