كلمة رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني بمناسبة ترأس لقاء تخليد "اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة".

4_0.jpeg

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين

السيدات والسادة الوزراء،
حضرات السيدات والسادة؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

يسعدني، أن أترأس اليوم هذا اللقاء الهام، بمناسبة تخليد "اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة"، لتجديد التحسيس بأهمية وضرورة حماية حقوقهم والنهوض بها، وضمان كل شروط العيش الكريم لهم، وتيسير السبل أمامهم للمساهمة في تنمية بلادنا. 
وهي مناسبة للتذكير بالعناية الكبيرة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لهذه الفئة، من خلال توجيهاته السامية الداعية إلى صيانة حقوقها وإدماجها الاجتماعي والمهني، كما أنها مناسبة للتأكيد على إرادة وحرص الحكومة على تمتيع هذه الفئة بحقوقها، ودعمها ودعم أسرها وأقاربها.
لقد دأبت الأمم المتحدة على تخليد هذا اليوم العالمي منذ سنة 1992 تحت شعار "يوم للجميع". وقد كان الهدف من هذا اليوم تعزيز حقوق هؤلاء الأشخاص ورفاههم في جميع المجالات، وإذكاء الوعي بحالتهم في كل مناحي الحياة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، فإنّ الموضوع الذي اختير هذا العام هو "إعادة البناء بشكل أفضل: نحو عالم شامل للإعاقة نافع ومستدام بعد جائحة كوفيد 19 ".
ولا شك أن تخليد هذا اليوم في هذه السنة، يأتي في ظروف صعبة، جراء تداعيات وباء كوفيد 19، والتي تستوجب منا جميعاً، كفاعلين حكوميين ومجتمع مدني ووسائل الإعلام، وقطاع خاص ومواطنين، الحيطة والحذر والالتزام بالتدابير الوقائية، ولكن أيضا تستدعي من الجميع التشبث بقيمنا الأصيلة من تضامن وتعاون وتآزر، لا سيما تجاه الفئات الهشة والضعيفة. 
حضرات السيدات والسادة،
لقد حظيت قضية الإعاقة باهتمام بالغ في دستور 2011، إذ نص في تصديره على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، لا سيما بسبب الإعاقة، كما شكل الفصل 34 الضمانة الأساسية لتمكين الأشخاص في وضعية إعاقة من حقوقهم الشاملة، حيث ألزم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص في وضعية إعاقة، ودعا إلى تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية أو حركية أو عقلية وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها.
وقد عبرت بلادنا دوما عن التزامها بصيانة وتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال مصادقتها على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري الملحق بها في 08 مايو 2009. كما شكلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة ترجمة فعلية لتوجه البلاد، وذلك عبر تنفيذ حزمة من الإصلاحات ذات البعد المهيكل؛ لعل أبرزها اعتماد مخطط عمل تنفيذي للسياسة العمومية المندمجة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة سنة 2017، وإقرار وأجرأة مجموعة من الخدمات الموجهة لهذه الفئة في إطار صندوق دعم التماسك الاجتماعي. كما عرفت بلادنا استصدار القانون الإطار 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، الذي يعتبر إطارا عاما يوجه تدخل مختلف الفاعلين في المجال، بالإضافة إلى إعداد الإطار التنظيمي المؤطر لتوظيف الأشخاص في وضعية إعاقة بالقطاع العام.
كما انخرطت المملكة في تفعيل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، إذ أولت بلادنا الأهداف التي تساهم في النهوض وحماية الأشخاص في وضعية إعاقة الأهمية البالغة، خصوصا في إطار الأوراش القائمة مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وفي هذا الإطار، أطلقت الحكومة مجموعة من الأوراش والبرامج نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 

  • تشجيع تشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة في القطاع العام، من خلال تنظيم المباراة الخاصة، التي سيخصص لها هذه السنة أيضا، 200 منصب مالي، بالإضافة إلى حصة 7% التي تخصصها القطاعات الحكومية، مع وضع آليات الحكامة لتتبع التنفيذ.  
  • برامج دعم الأشخاص في وضعية إعاقة ضمن خدمات صندوق دعم التماسك الاجتماعي، الذي انطلق منذ سنة 2015. وقد بلغ مجموع الدعم الذي قدمه هذا الصندوق لهذه الفئة 680 مليون درهم في الفترة ما بين 2015 و2019.
  • البرنامج الوطني للتربية الدامجة، الذي أعطيت انطلاقته في يوليوز2019، وقد بلغ عدد المؤسسات التعليمية الدامجة 3488، أي حوالي31%  من مجموع المؤسسات التعليمية. 
  • برنامج تكوين الموارد البشرية العاملة في مجال التكفل بذوي إعاقة التوحد «رفيق"، الذي انطلق في فبراير 2019؛
  • البرنامج الوطني "مدن ولوجة" الذي ينفذ في إطار الشراكة بين وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة والجماعات الترابية، والذي انطلق منذ 2017.

حضرات السيدات والسادة،
إن الإدماج الاجتماعي للأشخاص في وضعية إعاقة، يعتبر عملاً عرضانياً، يمس كل السياسات العمومية ومختلف المخططات المجالية؛ وهذا الأمر يتطلب تكاثف وتظافر جهود جميع القطاعات والفعاليات الحكومية وغيرها، للتنسيق والتعاون والعمل المشترك في إطار من الالتقائية والتكامل والانسجام.
ويسعدني بهذه المناسبة، أن تُوَقَّعَ اليوم اتفاقيات مهمة ستمكن من ترسيخ العمل المشترك وإعطاء دينامية جديدة للمشاريع في مجال التربية الدامجة والإدماج المهني للأشخاص في وضعية إعاقة، وتنزيل القانون الإطار 97.13 الخاص بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، والقانون الإطار 51.17 الخاص بمنظومة التربية والتكوين.
إن تخليدنا لليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة، لا يشكل فقط مناسبة لاستحضار البرامج والمنجزات، وإنما أيضا للتقييم والاستشراف، وللوقوف على التحديات التي يفرضها النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ومن جملة هذه التحديات:

  • تحدي إنتاج المعرفة وبلورة برامج للتكوين ودعم القدرات في مجالات التنمية الدامجة، والتخطيط لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة وتعزيز مشاركتهم؛
  • تحدي القرب من خلال مواكبة الجماعات الترابية على اختلاف مستوياتها وتخصصاتها، لإعداد وتنفيذ مشاريع لتسهيل الولوج للأشخاص في وضعية إعاقة وتكثيف فرص التشغيل الذاتي والمشاريع المدرة للدخل ودعم برامج التماسك الاجتماعي؛
  • تحدي التربية الدامجة من خلال ملاءمة البرامج التربوية والبيداغوجية. لأن التربية هي مفتاح الادماج.
  • تحدي إذكاء الوعي، ليس فقط للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ولكن كذلك لإبراز مؤهلاتهم وكفاءتهم وبناء ممارسات ناجحة تعزز حقوقهم.

ومن هنا، وبهذه المناسبة أناشد جميع الجهات المعنية للعمل على رفع هذه التحديات 
حضرات السيدات والسادة،
إن النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ليس شأنا حكوميا فحسب، بل هو مسؤولية تتقاسمها كل مؤسسات المجتمع وكل أفراده ومكوناته. وتعد الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة فاعلا أساسيا في كل ما تبذله بلادنا من جهد وما تجنيه من مكاسب في هذا المجال.
ويسعدنا أن نسجل بأن أداء الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة قد عرف بدوره تطورا ملحوظا ودينامية متسارعة، حيث تجاوزت مَهَامَّهَا التقليدية المتمثلة في التعبئة والتحسيس،  لتضطلع بأدوار ريادية على مستويات عدة: أولها بروزها كقوة اقتراحية لأفكار ومشاريع على الهيئات الرسمية المعنية؛ ثانيا تطوير مهاراتها الترافعية وتكريس دور المناصرة؛ ثم ثالثا المساهمة في تقديم مجموعة من الخدمات التأهيلية والاجتماعية لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، خاصة على مستوى مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تحدثها بشراكة مع مجموعة من القطاعات الحكومية.
وأغتنم هذه المناسبة لأحيي الجهود التي تبذلها هذه الجمعيات ببلادنا والتي أصبحت محط تنويه وإشادة على المستوى القاري والدولي لما تزخر به من كفاءات وخبرات تستعين بها مجموعة من المنظمات الدولية. ويحق لنا أن نفخر بأن امرأة مغربية، هي فاعلة ومناضلة جمعوية، تترأس تحالفا للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة، قد انتُخِبَت قبل يومين عضوا في اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. إننا نهنئ السيدة سمية عمراني، كما نهنئ من خلالها المجتمع المدني العامل في مجال الإعاقة، بل ونهنئ بلادنا بهذا التميز، لأنه اعتراف بما يزخر به المغرب من كفاءات، ولأنه سيُسْهِم في ترسيخ وتطوير مكتسباتنا في مجال النهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. 
حضرات السيدات والسادة،
قبل أن أختم كلمتي، أريد أن أُحَيِّي كل الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم على صبرهم ونضالهم وتضحياتهم، خاصة خلال هذه السنة التي تميزت بجائحة كورونا وما خلفته من صعوبات وتحديات.
أريد أيضا أن أشكر السيدة الوزيرة والسادة الوزراء على هذه البرامج المهمة التي ستُعْطَى انطلاقَتُها اليوم، وسأكون حريصاً على تتبعها من خلال اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج المتعلقة بالنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
 

النشرة الإخبارية