كلمة رئيس الحكومة بمناسبة انعقاد الاجتماع الثاني لمجلس إدارة وكالة التنمية الرقمية
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
السادة الوزراء وكتاب الدولة،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الإدارة،
حضرات السيدات والسادة،
يُشرفني أن أترأس اليوم الاجتماع الثاني لمجلس إدارة وكالة التنمية الرقمية، وأن أرحب بكم للمشاركة في أشغاله للوقوف على حصيلة عمل الوكالة سنةً بعد انطلاقها، وكذا استشراف آفاق عملها للمساهمة في ورش تنزيل الاستراتيجية الرقمية ببلادنا.
بداية، يجدر التذكير بأن بلادنا تراهن على التحول الرقمي من أجل إحداث طفرة نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية في هذا الصدد، حيث ما فتئ جلالته يؤكد في خطبه السامية على ضرورة الاستفادة مما توفره تكنولوجيا المعلومات للإسراع بتحقيق أهداف التنمية المنشودة لبلادنا، ولا سيما في خطاب العرش لسنة 2018، ورسالته السامية في نفس السنة إلى القمة الافريقية الاستثنائية بكيجالي.
إننا نحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى، لرؤية مندمجة تُترجم التحول الرقمي المتوخى ببلادنا، وتضمن الاستفادة القصوى من التكنولوجيات الرقمية. وتروم هذه الرؤية ابتكار أنماط جديدة توفر راحة المرتفقين في علاقتهم بالإدارة العمومية، وتخلق جوا إيجابيا يرفع من تنافسية المقاولة المغربية لا سيما في مجال الاقتصاد الرقمي وتُيسر التجسيد الفعلي لطموح المغرب في الاندماج الاقتصادي الإفريقي.
ونسجل بارتياح عددا من الإنجازات الهامة التي حققتها الإدارة المغربية في المجال الرقمي وتكنولوجيا المعلومات كالتصريح الضريبي الإلكتروني للشركات الكبرى والمتوسطة، ومنح بعض التراخيص كرخصة البناء، ورقمنة المساطر الجمركية والعمليات المتعلقة بالاستيراد والتصدير. كما أنه تم اعتماد الأداء عبر الهاتف النقال من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى بروز عدد من المقاولات المغربية الناشئة النشيطة (Start up)، وتألق شركات مغربية رائدة في ميدانَي الأداءات الإلكترونية والتطبيقات المعلوماتية.
وبالرغم من ذلك كله، فإن هذه المبادرات الإيجابية لم تُمكن بلادنا من الحفاظ على مرتبتها في تصنيف الأمم المتحدة للحكومات الإلكترونية، وهو ما يستوجب تعبئة كافة القوى لتدارك التأخر المسجل في هذا المجال، لا سيما أننا نعيش عصرا تشكل فيه التكنولوجيات الحديثة دعامة أساسية في جميع جوانب الحياة اليومية، وأن هذه التكنولوجيا تزداد تسارعا وتطورا في مجالات جديدة كالذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي والحوسبة السحابية، وكلها مجالات تفرض علينا إعادة النظر في مقاربة تدبير الرأسمال البشري والعمل على تأهيله ليس فقط لمسايرة التطورات بل أيضا للاستفادة المثلى من الإمكانات المتاحة في هذا المجال خاصة فيما يتعلق منها بفرص الشغل.
حضرات السيدات والسادة:
لقد أصبح من الضروري استشراف المستقبل بوضع استراتيجية وطنية للتحول الرقمي لبلادنا، ولمَ لا، تنظيم مناظرة وطنية من أجل تحديد التوجهات الكبرى بالاعتماد على مقاربة تشاركية تُمكن جميع الفاعلين من الإدلاء بآرائهم في هذا المجال، مع استحضار بعض المحاور الهامة كتطوير البنيات التحتية الرقمية والاستغلال الأنسب للموارد والخدمات، وبلورة مخطط تعليمي وتكويني واضح المعالم لتأهيل الرأسمال البشري في هذا المجال، والملاءمة الناجعة للنصوص القانونية والتنظيمية الضرورية لمواكبة التطورات المرتقبة، كل هذا مع الاستفادة من دور وكالة التنمية الرقمية كدعامة أساسية للمساهمة في انسجام والتقائية مختلف المبادرات والمشاريع العمومية في مجال التكنولوجيا الرقمية والتكنولوجيا الجديدة.
وكما تعلمون، لقد تم إحداث هذه الوكالة بغرض تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية وتطوير استعمال التكنولوجيا من طرف المواطنين. ولهذه الغاية، كلفها المشرع أساسا بتنفيذ استراتيجية الدولة في المجال الرقمي
وتحفيز الاستثمار فيه بتنسيق تام مع السلطات والهيئات المعنية، وكذا اقتراح التوجهات العامة على الحكومة في مجال التنمية الرقمية وتطوير برامج التعاون والشراكات اللازمة للنهوض به.
وقد صادق مجلسنا الموقر في دورته السابقة على رزمة من المشاريع كبداية لبرنامج عمل انطلاق الوكالة، إلا أن نسبة انجاز هذه المشاريع لم ترق إلى التطلعات، وهو ما قد نتفهمه بالنظر إلى أن هذه السنة الأولى قد شكلت مرحلة تأسيسية لإرساء الهياكل التدبيرية للوكالة. ولكن لابد من التنبيه إلى أننا نتحدث عن مجال سِمَته البارزة هي التطور السريع، ومواكبة هذا التطور تستلزم سرعة كبيرة في وتيرة الإنجاز والتفاعل.
وإذ أدعو الوكالة إلى مضاعفة الجهود وتسريع الوتيرة لتدارك ما فاتها خلال السنة المنصرمة، فإنني أتوجه كذلك بالدعوة إلى كافة المتدخلين للانخراط في هذا الركب وتقديم الدعم اللازم للوكالة من أجل تحقيق الأهداف المنشودة. كما أؤكد على ضرورة تفعيل لجان الحكامة المنبثقة عن مجلسنا هذا، ويتعلق الأمر بلجنة التدقيق ولجنة الابتكار والاستثمار، اللتان من شأنهما مواكبة الوكالة ودعمها في تنفيذ مهامها وتجويد حكامتها.
واستحضارا لما سبق ذكره بخصوص ضرورة التوفر على استراتيجية للدولة في المجال الرقمي، محينة ومتقاسمة، تنطلق منها كافة مشاريع التنمية الرقمية ببلادنا، تضمن تسريع الإنجاز مع النجاعة وضمان الالتقائية، وفي إطار المهام المنوطة بالوكالة، فإنني أغتنم فرصة هذا اللقاء لأدعوها لتقديم مقترح في غضون ثلاثة أشهر بخصوص التوجهات العامة في مجال التنمية الرقمية، وذلك من أجل تدارسها والتداول بشأنها خلال اجتماع المجلس الوطني لتكنولوجيا المعلومات المزمع عقده قريبا.
وفي الختام، أتوجه بالشكر لكل من ساهم في انطلاق الوكالة، داعيا الجميع للمزيد من الجهد والعطاء لجعلها قاطرة للتحول الرقمي ببلادنا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته