كلمة رئيس الحكومة بمناسبة تنصيب اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه
بسم الله الرحمان الرحيم
السادة الوزراء؛
السيدات والسادة أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر والوقاية منه؛
حضرات السيدات والسادة؛
يسعدني غاية السعادة أن أترأس حفل تنصيب أعضاء اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، بوصفها دعامة جديدة في بنيان مكتسباتنا الحقوقية والديمقراطية، ولبنة أساسية في صرح منظومتنا الحقوقية الوطنية.
ويطيب لي بمناسبة هذا اللقاء المبارك أن أتوجه بأحر التهاني للسيدات والسادة أعضاء اللجنة عن الثقة التي حظيتم بها، نظرا لخبرتكم المشهود لها في مجال مكافحة الاتجار بالبشر خاصة وحقوق الإنسان عموما، متمنيا لكم كامل النجاح والتوفيق في مهامكم الجديدة.
حضرات السيدات والسادة؛
كما تعلمون، تولي بلادنا اهتماما كبيرا لمكافحة الاتجار بالبشر، تجسد في التصديق على العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والبروتوكول الملحق بها المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال.
ونسجل بارتياح، رغم ما يزال ينتظرنا من تحديات، التطور الملحوظ للإطار التنظيمي والتشريعي المغربي الخاص بالاتجار بالبشر في السنين الأخيرة والنابع من إرادة بلادنا في مكافحة هذه الظاهرة، حيث تم إصدار القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر سنة 2016، وذلك في سبيل إيجاد منظومة تشريعية متكاملة لمكافحة هذه الظاهرة. كما تم سنة 2018 إصدار المرسوم المتعلق بتحديد تأليف اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه وكيفية سيرها.
ويأتي إحداث لجنة مختصة لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، ليتوج الجهود التي تبذلها بلادنا للتصدي لهذه الظاهرة ولترسيخ حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، باعتبارهما شرطين ضروريين لحماية كرامة الإنسان وضمان عيشه الكريم.
وإن انخراطنا في ورش مكافحة الاتجار في البشر، سيتيح لنا مسايرة متطلبات الطفرة النوعية التي تعرفها بلادنا في مجال حقوق الإنسان، ومواكبة الإصلاحات الهامة التي تم إنجازها لترسيخ ودعم حقوق الإنسان على الـمستويين القانوني والـمؤسساتي، بفضل الرعاية السامية لصاحب الجلالة الـملك محمد السادس نصره الله.
حضرات السيدات والسادة؛
الاتجار بالبشر يعتبر عبودية حديثة لاعتدائه على حق الضحية في الانتقال الحر، وبسبب ما يتضمنه من استغلال يهدف للربح. وهو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، لا يمكن السماح به في المجتمعات المؤمنة باحترام حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة. فضلا عن كونه يستهدف على الخصوص الأطفال والنساء في وضعية هشاشة، الذين يقعون ضحية مجرمين يستغلون أوضاعهم الصعبة أسوء استغلال، مما يعد ضربا من ضروب الإهانة والحط من الكرامة الإنسانية المنصوص على تجريمها ومكافحتها في كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وقد نص بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال على أن الاتجار بالبشر يشمل صورا متعددة مثل الاستغلال الجنسي والسخرة والخدمة قسرا والاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد أو نزع الأعضاء.
إن طبيعة جريمة الاتجار بالبشر معقدة، وتتميز بتعدد مستوياتها سواء كانت داخلية أو عابرة للحدود الوطنية، وتعدد عناصرها وتدخل العديد من الفاعلين، مما يجعل مهمة مناهضتها ليس بالأمر الهين، إذ لا يكفي توفير نصوص قانونية وآليات مؤسساتية، بل ينبغي إعداد خطة عمل وطنية شاملة ومتكاملة تتضافر فيها جهود كافة الفاعلين من قطاعات حكومية وغير حكومية.
ولي اليقين بأن الاختصاصات التي أسندت لهذه اللجنة، ستمكنها من تقديم مقترحات لتمكين الحكومة من إعداد خطة العمل الوطنية، ومن اقتراح الآليات الناجعة لمواجهة هذه الظاهرة، آليات تجمع بين مميزات الوقاية والتحسيس ومتطلبات الزجر والردع والحماية.
ومما يبعث على الارتياح أن تمثيليتها المتنوعة، التي تلتئم فيها القطاعات الوزارية والأمنية والمؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، تشكل الإطار الأمثل للتفكير الجماعي، وللمساهمة الجدية في اقتراح الحلول الكفيلة بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر والحد من تـداعياتها.
وإن ما تنتظره منكم الحكومة من تقديم الاقتراحات والآراء الاستشارية، يستدعي الإلمام بظاهرة الاتجار بالبشر من مختلف جوانبها، مما يضع على عاتقكم في مرحلة أولى القيام بدراسة ميدانية داخليا وإعداد قاعدة البيانات.
وأود أن تقترحوا مختلف إمكانيات التعاون والتنسيق بين الجهات الحكومية المختصة والمؤسسات التي تسعى إلى نفس الغاية. كما أود أن تقترحوا آليات التعاون بين مختلف الوزارات ومنظمات المجتمع المدني من أجل التحسيس بخطورة ظاهرة الاتجار بالبشر وحماية الضحايا. وأدعوكم إلى الانفتاح والاستفادة من التجارب الناجعة والممارسات الفضلى في الدول الرائدة في هذا المجال.
وكونوا على يقين أن الحكومة لن تدخر جهدا من أجل دعم اللجنة، لتمكينها من أداء مهامها بنجاح وتحقيق الغايات التي أحدثت من أجلها.
ومرة أخرى، هنيئا للسيدات والسادة أعضاء اللجنة على هذه المهام التي أسندت إليهم.
إن المسيرة متواصلة وكل مكونات المجتمع تنتظر الشيء الكثير، ولدينا شعور بالمسؤولية وبجسامة الرسالة الملقاة على عاتقنا.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق لأداء المهام المنوطة بهذه اللجنة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.