كلمة رئيس الحكومة في اجتماع الدورة التاسعة والسبعين (79) للجنة الاستثمارات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،
السيدات والسادة الوزراء،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي أن أرحب بكم اليوم في اجتماع الدورة التاسعة والسبعين (79) للجنة الاستثمارات، الذي ينعقد في سياق خاص تشهد فيه بلادنا تعبئة وطنية لإنجاح حملة التلقيح ضد فيروس كوفيد-19، باعتبارها مرحلة جديدة من مواجهتنا للجائحة، تأتي بالموازاة مع إطلاق ورش الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والذي تتجسد دعاماته الأساسية في دعم الاستثمار العمومي والخاص، وإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، وإصلاح المؤسسات العمومية، وتعزيز السياسات الاجتماعية.
وفي هذا الإطار ومنذ شروع بلادنا في الرفع التدريجي للحجر الصحي، حرصنا على عقد جملة من اللقاءات التي تهم مجال الاستثمار بهدف إعطاء دفعة قوية لإنعاش الاقتصاد الوطني وتمكينه من استعادة ديناميته تدريجيا، واستشراف آفاق واعدة للنمو في مرحلة ما بعد الجائحة، كان آخرها اجتماع مجلس إدارة الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات قبل أسبوعين. وسنخصص بعون الله أشغال اجتماعنا هذا لتدارس 34 مشروع اتفاقية وملاحق اتفاقيات استثمار بغلاف مالي إجمالي يفوق 11 مليار درهم، من شأنها توفير 3500 منصب شغل مباشر، وحوالي 6000 منصب شغل غير مباشر، وتهم عدة قطاعات حيوية كالبنيات التحتية الطاقية، والطاقات المتجددة، والصناعة، والسياحة والتربية والتعليم العالي.
وتعد هذه المشاريع، من حيث حجم الاستثمارات المرصودة، وكذا عدد مناصب الشغل المحدثة، سيما تلك التي ستحدثها الاستثمارات المبرمجة بجهة الشرق والأقاليم الجنوبية، مشجعة جدا، بالنظر إلى الظرفية التي نعيشها، إذ تعكس استمرارية جاذبية اقتصادنا الوطني نتيجة الإصلاحات المهمة التي باشرتها الحكومة، وتقوية صورة بلادنا داخليا وخارجيا بفضل منهجيته المتفردة في تدبير هذه الأزمة، كما تنم عن تمسك المستثمرين الخواص بإنجاز مشاريعهم، ورغبتهم في استئناف أنشطتهم الاستثمارية، بالرغم من ظروف الجائحة.
وأنتهز هذه المناسبة لأدعوهم إلى المزيد من الانخراط في دينامية الإنعاش الاقتصادي في هذه الظروف الاستثنائية، واغتنام الفرص الجديدة التي تتيحها مرحلة استعادة الحركة الاقتصادية بكل ثقة وأمل في المستقبل.
حضرات السيدات والسادة،
لا يخفى عليكم أن الحكومة تضع مسألة دعم الاستثمار في صدارة أولوياتها، باعتباره المحرك الأساس لعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإنتاج الثروة، وإحداث فرص الشغل. ومن هذا المنطلق، فقد انخرطت الحكومة في سلسلة من الإصلاحات الهادفة إلى تحسين جاذبية اقتصادنا الوطني للاستثمارات وتيسير حياة المقاولات لمساعدتها على إعداد وتنفيذ مشاريعها الاستثمارية في محيط آمن ومحفز. ويتعلق الأمر أساسا بالإصلاحات التالية:
- التنزيل الفعلي للإصلاح الشامل للمراكز الجهوية للاستثمار، بما يجعل من هذه المراكز فاعلا متميزا في تنشيط الاستثمار والمواكبة الشاملة للمقاولات في مختلف مراحلها، وقد بدأت تظهر الآثار الإيجابية لهذا الإصلاح على الرغم من قصر المدة الزمنية لإطلاقه، حيث تبرز المؤشرات ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية التي تواكبها هذه المراكز بنسبة تقارب 40 %، وزيادة بنسبة 80% في مبالغ الاستثمارات المعتمدة، مقارنة بين سنتي 2019 و2020، كما تقلص معدل آجال معالجة ملفات الاستثمار من أكثر من 100 يوم إلى أقل من شهر واحد. وقد حرصت شخصيا على انتظام اجتماع لجنة قيادة هذا الإصلاح بهدف تتبع حسن تنزيله، والنظر في الطعون المرفوعة إليها.
- مواصلة تحسين مناخ الأعمال من خلال الإصلاحات التي تنفذها الحكومة بشراكة مع القطاع الخاص، في إطار اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال. مما مكن من تحسين تصنيف المغرب إلى المرتبة 53 في تقرير "لممارسة الأعمال" Doing Business الذي يصدره البنك الدولي سنويا، أي في نفس مرتبة بعض المتنافسين الأوروبيين، في الوقت الذي يحتل المرتبة الثالثة في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا شك أن بلادنا تسير بثبات لتحقيق هدف ولوج الاقتصاديات الخمسين الأوائل عالميا في هذا التقرير في أفق 2021.
- تعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث ارتفع متوسط الإيرادات السنوية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 38.12 مليار درهم خلال الفترة 2017-2019 مقابل 36.6 مليار درهم خلال الفترة 2012-2016 و30.5 مليار خلال الفترة 2007-2011؛
- إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي يعهد إليه بمهمة النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، عبر دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص.
- مواصلة دعم الاستثمار العمومي، بهدف إنعاش الدينامية الاقتصادية. وفي هذا الإطار، وعلى الرغم من نقص مداخيل المالية العمومية بسبب الأزمة، حددت الحكومة حجما غير مسبوق للاستثمار العمومي في ميزانية 2021، بمبلغ يناهز 230 مليار درهم (أي بزيادة 16% بالمقارنة مع سنة 2020)، 45 مليار درهم منها تمول عبر "صندوق محمد السادس للاستثمار". كما تعمل الحكومة على تنويع مصادر تمويل الاستثمار العمومي، لا سيما من خلال تفعيل الآليات الجديدة التي جاء بها القانون رقم 46.18 بتغيير وتتميم القانون رقم 86.12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كما تحرص الحكومة على تسريع وتيرة اعتماد ميثاق جديد للاستثمار، بما يتيح تحسين آليات تحفيز الاستثمار وتبسيط وشفافية المساطر، وتيسير عمل المستثمرين.
هذا بالموازاة مع مواصلة إصلاح الإدارة وتحديث خدماتها، من خلال مواصلة تنفيذ ميثاق اللاتمركز الإداري، وإصدار ميثاق المرافق العمومية، وتنزيل مقتضيات القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وتسريع التحول الرقمي لإرساء إدارة رقمية في خدمة المواطنين والمقاولات، لا سيما من خلال تسريع إعداد مشروع قانون يتعلق بالإدارة الرقمية الذي يضع المبادئ الأساسية لرقمنة الخدمات الإدارية وتبادل البيانات والمعلومات، وإعطاء الحجية القانونية للقرارات والإجراءات الرقمية.
كما تعمل الحكومة على متابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد "2016-2025"، وتحسين ترتيب بلادنا في مؤشر إدراك الفساد. ويندرج في هذا الإطار الحرص على تنزيل القانون رقم 46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي عمل على توسيع وظائف ومهام هذه الهيئة الدستورية.
وبالموازاة مع تحفيز الاستثمار العمومي والخاص، حرصت الحكومة على دعم المجال الاجتماعي، لا سيما من خلال إعداد مشروع القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، الذي صادق عليه المجلس الوزاري بتاريخ 11 فبراير 2021، والذي يعد ورشا اجتماعيا يحظى بمتابعة واهتمام خاصين من طرف جلالة الملك حفظه الله، باعتباره ثورة اجتماعية حقيقية، لما يكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة.
حضرات السيدات والسادة،
إن تحسين مناخ الاستثمار والأعمال، وتعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني، لا سيما في ظل الظرفية الدقيقة التي يمر بها الاقتصاد الوطني والدولي، رهين بالتتبع المستمر والفعال للمشاريع الاستثمارية، ومواكبتها في مختلف مراحل إنجازها، وتذليل الصعوبات والعراقيل التي تعترضها، لا سيما منها ذات الطبيعية الإدارية أو الإجرائية.
وفي هذا الإطار، فقد سبق أن طلبت من كتابة لجنة الاستثمارات تحيين التقرير الخاص بتحليل اتفاقيات الاستثمار المصادق عليها من قبل لجنة الاستثمارات منذ 1996 حتى اليوم، وذلك بهدف دراسته واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير على إثر ذلك.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر للسيد وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي لحرصه على الإعداد الجيد لاجتماع هذه اللجنة، وكذا على تتبعه المباشر للملفات المدرجة في جدول أعماله.
كما أشكر مسؤولي وأطر الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات والصادرات على جهودهم الدؤوبة في دراسة وإعداد وتتبع اتفاقيات الاستثمار، وأدعوهم إلى بذل المزيد من أجل مواكبة المستثمرين وتحفيزهم وتذليل الصعوبات التي تعترضهم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.