كلمة رئيس الحكومة في الجلسة الافتتاحية للندوة الوطنية حول موضوع "انعكاسات التقييم الوطني للمخاطر على منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

IMG-20190612-WA0010.jpg

بسم الله الرحمان الرحيم،

السادة الوزراء،
السيد والي بنك المغرب،
السادة ممثلو المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة،
السادة ممثلو الهيئات الدولية ووحدات المعلومات المالية،
السادة رؤساء ومديرو الإدارات والهيئات والمؤسسات.

أيها الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته 
وبعد،

يسعدني أن أفتتح هذه الندوة الوطنية التي تنظمها وحدة معالجة المعلومات المالية بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها 2009-2019. وبهذه المناسبة، أود أن أرحب بالضيوف الكرام ممثلي المنظمات الدولية ووحدات المعلومات المالية النظيرة الذين لبوا الدعوة للمشاركة في هذه التظاهرة، راجيا لهم مقاما طيبا بالمملكة المغربية. 


كما يطيب لي أن أرحب كذلك بالسادة الوزراء والسيد والي بنك المغرب والسادة رؤساء ومديري الإدارات والهيئات والمؤسسات وسلطات الإشراف والمراقبة وإنفاذ القانون على تفضلهم بحضور أشغال هذه الندوة الوطنية الهامة.

كما أتوجه بهذه المناسبة بخالص الشكر والتقدير لجميع المسؤولين والأطر المغاربة الحاضرين معنا على مساهمتهم الفعالة وانخراطهم في الأوراش الرامية إلى الرقي بمنظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ببلادنا وجعلها في مصاف الدول المتقدمة.

أيها السيدات والسادة،

كما لا يخفى عليكم، فقد سبق للمملكة المغربية أن خضعت للجولة الأولى من التقييم المتبادل سنة 2007، في الوقت الذي لم تكن تتوفر فيه بعد على قانون لمكافحة غسل الأموال ولم تكن قد أنشئت بعد وحدة معالجة المعلومات المالية.

وقد عرفت بلادنا الجولة الثانية للتقييم المتبادل لمنظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ابتداء من شتنبر 2017، وامتدت إلى ما يناهز سنة ونصف حيث تمت مناقشة تقرير التقييم المتبادل الخاص بالمملكة المغربية خلال الاجتماع العام المنعقد ببيروت في نونبر 2018 وكذلك خلال الاجتماع العام المنعقد في أبريل 2019 بعمان والذي قام باعتماد هذا التقرير. 

ويمكن القول بأن أهم خلاصات واستنتاجات ونتائج تقرير التقييم المتبادل تبرز التطور الملحوظ الذي عرفته هذه المنظومة بين الجولة الأولى والثانية، وإن كانت بعض هذه الاستنتاجات غير منصفة بالنظر للانخراط الدائم واللامشروط لبلادنا في الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة جميع أشكال الجريمة المالية المنظمة.

 وفي هذا السياق، لقد تابعت باهتمام بالغ التعبئة الشاملة لجميع الإدارات والهيئات والمؤسسات المعنية ببلادنا من أجل إنجاح الجولة الثانية للتقييم المتبادل للمنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سواء قبل الزيارة الميدانية أو بعدها. وهنا أود التنويه والإشادة بالجهود التي بذلت من طرف وحدة معالجة المعلومات المالية وخاصة من طرف رئيسها، وكذلك من طرف الوفد المغربي الرفيع المستوى الذي شارك في جميع مراحل عملية التقييم وقدم جميع البيانات والتوضيحات والمستندات اللازمة لعكس الصورة الحقيقية للسياسات والاستراتيجيات والإجراءات المعتمدة من أجل تطوير منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

أيها السيدات والسادة،

لقد عرفت مرجعيات العمل لدى مجموعة العمل المالي الدولية تطورا مهما خلال سنتي 2012 و2013، بالنظر إلى مراجعة التوصيات والمنهجية المعتمدة في التقييم، وذلك بالتركيز على الفعالية ودرجة الالتزام الفني وتقييم مدى تحقيق النتائج المباشرة.
وكما تعلمون، فإن المنهج القائم على المخاطر يمثل العمود الفقري للمنظومة بالنسبة لجميع الدول، حيث أنه طبقا للتوصية الأولى لمجموعة العمل المالي وكذلك النتيجة المباشرة الأولى، فإن حكومات الدول مدعوة لتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بناء على أوجه القصور والتهديدات التي تواجهها واعتماد نتائج هذا التقييم وتعميمه على القطاعين العام والخاص، وفي ضوء ذلك، تبني استراتيجية وطنية للحد من تلك المخاطر والتحكم فيها.

وأنتهز هذه الفرصة كذلك، لأنوه بالجهود التي بذلت منذ انطلاق هذا المشروع وخلال أوراش العمل التي تم تأطيرها من طرف البنك الدولي واجتماعات فرق العمل القطاعية المشكلة لهذا الغرض، حيث كانت بلادنا سباقة من بين دول المنطقة إلى إعداد التقرير الأول لتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي يعتبر حجر الأساس بالنسبة للمنظومة. كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر للبنك الدولي على المساعدة التقنية التي قدمها لبلادنا لإنجاز هذا المشروع.  

أيها السيدات والسادة،

لقد تم التأكيد في تصدير دستور المملكة لسنة 2011 على جعل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.

وإن هذا المبدأ الدستوري يعتبر تعبيرا واضحا عن الإرادة الراسخة للمملكة المغربية لدعم الجهود الدولية خاصة في مجال محاربة الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها واحترام التزاماتها الدولية في هذا المجال.

وتكريسا لهذا الخيار الاستراتيجي، فقد تمت ملاءمة التشريعات ذات الصلة بصفة منتظمة مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، ونحن بصدد وضع اللمسات الاخيرة على مشروع قانون جديد لسد الثغرات وأوجه القصور التي تم تحديدها في تقرير التقييم المتبادل، حتى تكون القوانين الوطنية مطابقة للتوصيات الأربعين والمعايير المتفرعة عنها لمجموعة العمل المالي الدولية.

ونحن كذلك بصدد اعتماد تقرير التقييم الوطني للمخاطر وتعميمه رسميا على جميع أشخاص القانون العام والخاص المعنيين لاتخاذ الخطوات والتدابير اللازمة من أجل الحد من هذه المخاطر والتحكم فيها، وفق خطة عمل محددة زمنيا.

ومن جهة أخرى، سيتم إحداث لجنة وطنية تتكون من جميع الإدارات والهيئات والمؤسسات المعنية، تناط بها مهمة تحديث وتحيين نتائج التقييم الوطني للمخاطر بشكل مستمر، واقتراح استراتيجية وطنية لمكافحة جرائم غسل الأموال والجرائم الأصلية والإرهاب وتمويله.

ولعل الهدف الأساسي من هذه الاستراتيجية هو تعزيز التنسيق والتعاون بين المصالح المعنية بما يضمن انسجام وانتقائية المشاريع والإجراءات التي يجب اتخاذها لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في هذا الإطار، اعتمدت المملكة عددا هاما من الاستراتيجيات القطاعية والتي ستشكل منطلقات الاستراتيجية الوطنية السالفة الذكر، ويمكن هنا أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتمويله والاستراتيجية الخاصة بمحاربة الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية والاستراتيجية الخاصة بمكافحة الفساد والاستراتيجية الخاصة بمكافحة الهجرة السرية والاستراتيجية الخاصة بمكافحة الاتجار في البشر والاستراتيجية الخاصة بمراقبة المخاطر الشمولية للقطاع المالي بمختلف مكوناته، وتعزيز الشمول المالي وذلك بهدف تقوية صلابة النظام المالي ومناعته والحد من القطاع غير المهيكل.


وفي مجال التعاون الدولي، فقد كانت بلادنا دائما نموذجا للتنسيق وتبادل التجارب والخبرات والمعلومات مع البلدان الصديقة والشقيقة وكذلك مع المنظمات الجهوية والدولية ذات الصلة، سواء على الصعيد السياسي أو القضائي أو الأمني أو الاقتصادي أو المالي.

وهنا أستحضر التوجيهات الملكية السامية في الخطاب الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الواحدة والستين لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2014، حيث أكد جلالته حفظه الله وأيده على أن اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد وجميع أشكال الجريمة المالية المنظمة.

أيها الحضور الكريم،

أود أن أغتنم هذه المناسبة لأؤكد على الالتزام السياسي القوي والراسخ للرقي بمنظومتنا الوطنية وجعلها ملائمة للمعايير الدولية.
في هذا الإطار، فقد تم اعتماد خطة عمل وطنية على المدى القصير والمتوسط تتوخى هدفين أساسيين هما العمل على الرفع من درجة الالتزام الفني وذلك عبر ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية والتدابير الإجرائية المصاحبة مع المعايير المعتمدة من طرف مجموعة العمل المالي الدولية، وكذلك تعزيز فعالية المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.


ومن تم تأتي أهمية موضوع ندوتنا الوطنية هاته، وهو " انعكاسات التقييم الوطني للمخاطر على منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب" والذي أرجو أن تتمخض عنها اقتراحات وتوصيات من شأنها أن تغني خطة العمل السالفة الذكر.

وفي الختام، اسمحوا لي أن أجدد الترحاب بضيوفنا الكرام في بلدهم الثاني المغرب، راجيا لهم مقاما طيبا بيننا.

كما أود بمناسبة مرور عشر سنوات على إحداث وحدة معالجة المعلومات المالية، أن أتقدم بأحر التهاني لرئيس الوحدة وأعضائها وموظفيها متمنيا لهم كامل التوفيق والنجاح في المهمة الوطنية النبيلة التي يضطلعون بها، وأدعوهم إلى المزيد من البذل والعطاء خدمة للقضايا الكبرى التي نسعى جميعا إلى تحقيقها تحت القيادة الرشيدة والحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   
 

النشرة الإخبارية