كلمة رئيس الحكومة في لجنة استراتيجية للتنمية المستدامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه،
السيد وزير الدولة؛
السيدات والسادة الوزراء وكتاب الدولة؛
السيدين المندوبين الساميين؛
حضرات السيدات والسادة؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
1- السياق العام - توطئة
يسعدني أن أترأس أشغال الاجتماع الأول للجنة الاستراتيجية للتنمية المستدامة، التي تتولى تحديد التدابير الرامية إلى تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في مختلف السياسات العمومية والاستراتيجيات والمخططات القطاعية والترابية، والسهر على تتبع تنفيذها وفق رؤية مندمجة ومتناسقة. وهي بذلك تتميز بطابعها الأفقي، مما يستدعي تظافر جهود مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المعنية ببرامج هذه الاستراتيجية الوطنية وتعزيز التنسيق فيما بينها.
2- مقاربة تنزيل الاستراتيجية
أيها السيدات والسادة،
كما تعلمون، فإن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تم اعتمادها في المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 25 يونيو 2017 تحت رئاسة صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده، تتمحور حول سبعة رهانات كبرى تتجلى في الحكامة والاقتصاد الأخضر والتنوع البيولوجي والتغير المناخي والمجالات الهشة والتماسك الاجتماعي والبعد الثقافي، انبثق عنها 31 محورا استراتيجيا يغطي مختلف مجالات حياة المواطن. لذلك، فإن أجرأة هذه المحاور بتدرج والتقائية، تحظى بالأولوية من حيث متطلبات التنمية المستدامة، بما يحقق التزاماتنا داخليا وإشعاعنا خارجيا.
وأغتنم هذه المناسبة لأؤكد حرص المملكة المغربية على الوفاء بالتزاماتها الدولية، حيث سبق أن انخرط المغرب بإيجابية في تحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية التي حددتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2000، واستطاعت بلادنا أن تحسن أغلب مؤشرات الأهداف الثمانية المحددة، واليوم أجدد التأكيد على انخراط المغرب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2015-2030 كما عبر عن ذلك جلالة الملك حفظه الله في خطابه السامي الذي وجهه إلى الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث جاء فيه: '' تكتسي الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية خاصة، لكونها ستشهد بالأساس المصادقة على خطة التنمية المستدامة لما بعد 2015. وهي مناسبة لتأكيد التزامنا الجماعي، من أجل تحقيق الأهداف النبيلة التي يدعو إليها ميثاق منظمتنا، والاستجابة لتطلعات شعوب العالم.''
وفي هذا الصدد، عمدت مختلف القطاعات والمؤسسات المعنية بالأهداف السبعة عشر بوضع برامج ومخططات لتحقيقها بالملائمة مع الأولويات الوطنية. وستحرص الحكومة على إرساء الآلية المناسبة لتتبع وتنسيق عمل مختلف الأطراف المعنية. وعلاقة بهذه الغاية، فإن الحكومة بصدد مراجعة النصوص القانونية التي تروم تحيين قانون الإحصاء ومأسسة المجلس الوطني للإحصاء (CNS) بهدف تحسين جودة وتنوع المعلومة الإحصائية.
وأدعو بهذه المناسبة كل القطاعات والمؤسسات إلى مواصلة العمل وتظافر الجهود بغرض وضع برامج طموحة تستهدف التحسين الملموس لشروط عيش المواطنين، وليس الاقتصار، فقط، على تحسين المؤشرات الرقمية.
3- مثالية الإدارة – خطوة أولى
وفي إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، تم إعداد 21 مخططا قطاعيا، كما تم إعداد ميثاق مثالية الإدارة في مجال التنمية المستدامة، ودليل منهجي لتيسير وتسريع تنزيله. ونظرا لما تكتسيه مثالية الإدارة في مجال التنمية المستدامة، فقد جعلنا منه موضوعا رئيسيا لاجتماعنا هذا. فالإدارة العمومية مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، أن تعطي المثل في تطبيق ما تطلُب من الآخرين القيام به في كل المجالات ذات الصلة بالتنمية المستدامة، خاصة في الشق المتعلق بترشيد الموارد الطبيعية والمحافظة على البيئة، كالاقتصاد في الماء، وتنزيل النجاعة الطاقية واللجوء قدر المستطاع إلى الطاقات المتجددة، وتشجيع التنقل الأخضر، وكذا إرساء أسس التدبير المستدام للنفايات.
ولا تخفى علينا جسامة التحديات التي ما فتئت تفرضها هذه المواضيع، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار، كارتفاع تكاليف الطاقة وتقلب أسعارها على المستوى الدولي، وندرة الموارد المائية التي تعرفها بلادنا والتي تتأثر سلبا بالتغيرات المناخية، وكذا الكلفة الباهظة للتدهور البيئي الناجم عن التدبير غير السليم لنفاياتنا بكل أنواعها.
وبخصوص مخططات العمل القطاعية للتنمية المستدامة سالفة الذكر التي حددت الإجراءات ذات الأولوية الواجب اتخاذها، في مرحلة أولى، على مستوى القطاعات الوزارية المعنية. وبحكم الأهمية التي يكتسيها إنجاح هذا الورش المهيكل ببلادنا، فإنني أهيب بكافة القطاعات إلى إعداد مخططاتها مع إغنائها بالبرمجة الزمنية وربطها بأهداف ومؤشرات دقيقة ومرقمة، وذلك لتمكيننا من تقييم التقدم المحرز في هذا المجال خلال المراحل المقبلة. كما أهيب بجميع القطاعات العمل على تسريع وتيرة الإنجازات في إطار تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.
4- آفاق مستقبلية
وبقدر ما أتطلع لانخراطكم الفعلي في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، بقدر ما أنا عازم كل العزم على العمل معكم على إنجاح هذا الورش المهيكل، استجابة للتعليمات الملكية السامية بتاريخ فاتح نونبر الماضي بمناسبة جلسة العمل المخصصة لتنزيل استراتيجية الطاقات المتجددة، حيث أشار جلالة الملك، حفظه الله وأيده، إلى أنه يجب أن تقدم البنايات العمومية النموذج من خلال اللجوء قدر الإمكان إلى استعمال الطاقات المتجددة، ومن ثم الرفع من مستوى النجاعة الطاقية وتسجيل اقتصاد نوعي.
ولذلك، أدعو الجميع لتوفير كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستيكية المتاحة لتحقيق هذا المبتغى، كما أؤكد على ضرورة التنسيق والالتقائية القادرين على تحقيق الأهداف المرسومة وفي الآجال المحددة لذلك.
وإني على يقين بأن المقترحات والتوصيات التي ستنبثق من هذا الاجتماع ستحظى بالأجرأة والتطبيق، وذلك لبلوغ الأهداف النبيلة التي أحدثت هذه اللجنة من أجلها، وإنجاح الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وتحقيق آثارها على المواطن والبيئة في بلادنا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته