كلمة رئيـس الحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني أمام القمة الافتراضية لمنظمة العمل الدولية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات
السيد رئيس منظمة العمل الدولية
السيدات والسادة ممثلي الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية
أود في البداية أن أشكر السيد غاري ريدر رئيس منظمة العمل الدولية على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة في أشغال هذه القمة الافتراضية، وأعبر لكم عن سعادتي الغامرة لألقي هذه الكلمة المصورة بعد أن حظيت بالمشاركة الفعلية في فعاليات الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس منظمتكم العتيدة على هامش القمة الدولية المنظمة خلال السنة الماضية.
كما أتقدم بالشكر لمنظمة العمل الدولية على اختيارها موضوع "مكافحة تأثير جائحة كوفيد-19 على عالم العمل"، وعلى ما تبذله من مساعدة الدول في جهودها الرامية إلى إنعاش الاقتصاد وسوق الشغل وتفادي انتشار البطالة.
السيدات والسادة
لقد اتخذت المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وإشرافه المباشر والمستمر جملة من التدابير الاستباقية لمواجهة هذه الجائحة الكونية، واضعة حفظ صحة المواطنين وضمان لهم الحد الأدنى من العيش الكريم أولوية الأولويات.
ولقد تمكن المغرب ولله الحمد على المستوى الصحي من التحكم في الوضعية الوبائية والحد من انتشار الفيروس، والتقليل من حدته، وتفادي ارتفاع عدد الوفيات، وتعزيز المنظومة الصحية، وتفادي عجزها عن مسايرة الوضعية الوبائية، ورفع قدرتها على إجراء التحاليل المخبرية، وتعزيز آليات تتبع الحالات، إذ تعد نسبة الوفيات بفعل هذه الجائحة من أدنى المستويات في العالم إذ لم تتجاوز 2 في المائة، كما أن نسبة الشفاء من أعلى النسب في العالم.
وعلى المستوى الاجتماعي، اتخذ المغرب جملة من القرارات والتدابير لدعم الأجراء الذين توقفت المقاولات التي يشتغلون بها عن العمل مؤقتا، كليا أو جزئيا، بسبب الجائحة، وضمانِ حد أدنى للدخل لفائدة الأسر العاملة في المهن الحرة وفي القطاع غير المهيكل، التي تضررت بفعل تباطؤ النشاط الاقتصادي، مما ساهم في دعم القدرة الشرائية للمواطنين واستهلاك الأسر.
وهكذا وبفضل إحداث صندوق خاص لتدبير آثار الجائحة، فقد تم:
- منح تعويض شهري جزافي يساوي 70 في المائة من الحد الأدنى للأجر (حوالي 200 أورو) لفائدة الأجراء والمستخدمين المقاولات المنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي تواجه صعوبات، وهمّ هذا التعويض الفترة الممتدة من 15 مارس إلى 30 يونيو 2020 أكثر من 810 ألف أجير ومستخدم يعملون في أزيد من 132 ألف مقاولة.
- كما تم دعم الأسر العاملة في المهن الحرة والقطاع غير المهيكل، إذ استفادت من دعم يتراوح بين ما بين 80 و120 يورو شهريا حسب عدد أفراد الأسرة وقد استفاد من هذا الدعم ما يقارب من 4 ملايين أسرة.
وعلى المستوى الاقتصادي، اتخذت الحكومة المغربية تدابير استعجالية هامة لدعم المقاولات من أجل تخفيف الضغط على خزينتها وتيسير تدبير سيولتها، في ظل تراجع أنشطتها، حتى يتسنى لها الوفاء بالتزاماتها المالية والحفاظ على مناصب الشغل، وذلك من قبيل دعم الولوج إلى التمويلات البنكية، وتعزيز آليات الضمان، وتسريع وتيرة تسديد مستحقات المقاولات، والرفع من وتيرة إرجاع الضريبة على القيمة المضافة، والحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي، والعمل على تقليل حدة الانعكاسات السلبية على التوازنات الماكرو اقتصادية الكبرى.
حضرات السيدات والسادة،
إن الرهان الأساسي للمغرب في الفترة المقبلة يتمثل في إعادة تنشيط الحركة الاقتصادية لتجاوز التداعيات الاقتصادية والمالية الصعبة للجائحة، بالموازاة مع استمرار اليقظة والحذر لحماية صحة المواطنين وتفادي أي انتكاسة، لا قدر الله، من شأنها المساس بالمكتسبات المحققة. وفي هذا الإطار، وبهدف حماية صحة العاملات والعمال، فإن الحكومة حريصة على ضرورة تقيد المشغلين بقواعد الصحة والسلامة وفق دلائل دقيقة يتم التأكد من التقيد بها باستمرار من قبل مفتشي الشغل.
وترتكز رؤية الحكومة لتحريك وتطوير الاقتصاد الوطني على رافعتين أساسيتين:
- خطة للإنعاش الاقتصادي تمتد إلى متم سنة 2021، بهدف إعادة تنشيط الحركة الاقتصادية، في أفق إرجاعها لمستويات لا تقل عما كانت عليه قبل الأزمة، لا سيما من خلال مواصلة المواكبة الضرورية لفائدة مختلف أصناف المقاولات المتضررة، خصوصا الصغيرة منها والمتوسطة، والحرص على استقرار الاستثمار العمومي، مع تدبيره بطرق فعالة لتشجيع المنتوج الوطني والتحكم في الواردات؛ كل ذلك بالموازاة مع تقوية آليات الدعم الاجتماعي، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على مناصب الشغل.
- خطة للإقلاع الاقتصادي على المدى المتوسط، تتم بلورتها في انسجام مع ورش تجديد النموذج التنموي، مع إعادة ترتيب الأولويات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والاستفادة من فرص التحول الجديدة التي أفرزتها هذه الأزمة. ومن أهم مضامين هذه الخطة، ميثاق للإقلاع الاقتصادي والتشغيل، مع كافة الشركاء الاقتصادين والاجتماعيين، لتجسيد طموح مشترك يتمثل في بناء اقتصاد قوي، في عالم ما بعد أزمة كورونا.
إن المغرب يؤمن بالشراكة والتعاون الدولي لمواجهة أمثال هذه الأزمات العابرة للقارات والحدود وهو يضع خبرته تحت تصرف أصدقائه في مختلف الدول. وفي هذا الإطار، قام المغرب، بتعليمات ملكية سامية، بإرسال دعم من المواد الطبية والصيدلية لأكثر من 15 دولة في إفريقيا.
وفي الأخير أجدد شكري لكم السيد رئيس منظمة العمل الدولية ولكافة فرق الخبراء والأطر العاملة إلى جانبكم على دعوتكم الكريمة وعلى جهودكم المقدرة من أجل التعاون والعمل المشترك لإبداع الحلول الكفيلة بتجاوز هذه الظرفية الصعبة على جميع بلدان العالم بما يحفظ الحق في العيش الكريم وفي الشغل، وضمان مساهمة الجميع في خلق الثروة والاستفادة منها.