كلمة السيد رئيس الحكومة بمناسبة الاجتماع الثاني عشر للجنة الوطنية لمناخ الأعمال
بسم الله الرحمان الرحيم،
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،
السيدات والسادة الوزراء؛
السيد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛
السيد والي بنك المغرب؛
السيد رئيس جامعة غرف التجارة والصناعة والخدمات؛
السيد رئيس المجموعة المهنية لبنوك المغرب؛
حضرات السيدات والسادة؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أود في افتتاح أشغال هذا الاجتماع السنوي للجنة الوطنية لمناخ الأعمال في دورته الثانية عشرة، أن أرحب بكل أعضاء هذه اللجنة وبالحضور الكريم متمنّيا لأعمالنا التوفيق والسداد لما فيه الخير والفلاح لبلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة حفظه الله.
وكما تعلمون، فإن هذا اللّقاء يأتي في ظرفية صحية واقتصادية واجتماعية خاصة تسعى فيها الحكومة إلى بذل كل الجهود لتجاوز تداعيات جائحة كوفيد-19، من خلال خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، والتي تتجسد دعاماته الأساسية في الرفع من الاستثمار العمومي والخاص، وإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، وإصلاح القطاع العمومي وتعميم الحماية الاجتماعية، ولهذه الغاية، فنحن مدعوون إلى المزيد من التعبئة وتظافر الجهود على كافة الأصعدة، قصد تحقيق الإقلاع الاقتصاد المنشود، وتطوير ومواكبة المقاولة الوطنية والقطاع الخاص.
وسيُخصص اجتماعنا اليوم أساسا لعرض واعتماد السياسة الوطنية لتحسين مناخ الأعمال للفترة 2021-2025، والتي تمّ إعدادها تنفيذا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة نصره الله، والمتعلقة بضرورة وضع رؤية استراتيجية في مجال تحسين مناخ الأعمال، حيث جاء في الرسالة الملكية المُوجّهة إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش بتاريخ 21 أكتوبر2019 ما يلي: " لقد أكّدنا في مناسبات عديدة، على ضرورة وضع رؤية استراتيجية في مجال تحسين مناخ الأعمال. رؤية قوامها توفير بيئة مناسبة للاستثمار، واعتماد منظومة قانونية حديثة ومتكاملة ومندمجة، تجعل من المقاولة رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".
وسيتم خلال هذا اللقاء أيضا، تقديم عروض مُقتضبة حول مجموعة من الأوراش المُهيكلة التي عملت الحكومة على تفعيلها قصد مواصلة تحسين مناخ الأعمال.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يخفى عليكم أن الحكومة وضعت تحسين بيئة الاستثمار ودعم المقاولة في صدارة أولوياتها، بُغية الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإنتاج الثروة وإحداث فرص الشغل.
ومن هذا المنطلق، فقد قررت اللجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال خلال اجتماعها السنوي الأخير إعداد وتطوير سياسة وطنية مُندمجة لتحسين وتجويد مناخ الأعمال.
ولقد تمّت بلورة هذه السياسة الوطنية، موضوع التقرير المعروض على أنظاركم، وفق مُقاربة تشاركية، إذ شملت المشاورات مختلف القطاعات الوزارية والهيئات والمؤسسات العمومية المعنية والقطاع الخاص، وكذا ثلة من الخبراء الوطنيين والدوليين، وذلك طيلة مراحل إعدادها، بدءا من مرحلة تشخيص أهم معيقات تطوير القطاع الخاص ببلادنا بالاعتماد أساسا على نتائج الاستقصاء الوطني الذي شمِل مجموع جهات المملكة والذي أنجزته اللجنة سنة 2019 بشراكة مع مجموعة البنك الدولي، ووصولا إلى مرحلة تحديد الأوراش الإصلاحية، مع الأخذ بعين الاعتبار الممارسات الفضلى على الصعيد العالمي في هذا المجال، وكذا أولويات المرحلة الراهنة المرتبطة بتجاوز التداعيات السلبية لجائحة كورونا.
وفي إطار هذه المقاربة التشاركية، فقد تمّ عقد عدة لقاءات عمل مع ممثلين عن المجموعات المهنية والقطاع الخاص قصد الوقوف على أهم الصعوبات وكذا تحديد الأولويات من أجل تحسين أفضل لمناخ الأعمال ببلادنا خلال السنوات الخمس المقبلة.
كما يجب التذكير أن مختلف مراحل إعداد السياسة الوطنية تمّت تحت إشراف لجنة قيادة ضمّت ممثلين عن القطاعين العام والخاص. وقد خلُصت أشغال هذه اللجنة إلى بلورة رؤية استراتيجية مُندمجة تتوخى توفير الشروط الأساسية والمُناسبة للمقاولين والمستثمرين لتَمكينهم من تحرير طاقاتهم لخلق القيمة المضافة في مختلف جهات المملكة.
وتعتمد هذه السياسة الوطنية المعروضة على أنظاركم على ثلاثة مرتكزات تهم بالأساس:
- تحسين الظروف المُهيكلة لمناخ الأعمال؛
- تسهيل الولوج إلى الموارد الضرورية للمقاولات؛
- تعزيز الشفافية والشمولية والتعاون بين القطاعين العام والخاص.
وتضم هذه السياسة ثلاثة وثلاثين (33) ورشا إصلاحيا، تروم تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية وتحسين الإطار القانوني والتنظيمي للأعمال وتسهيل الولوج إلى التمويل والبنى التحتية والطلبيات العمومية وتحسين آجال الأداء، بالإضافة إلى تأهيل رأس المال البشري وتعزيز آليات مواكبة المقاولات والابتكار وكذا إدماج القطاع غير المهيكل.
وسعيا إلى تحقيق النجاعة في تنفيذ مختلف هذه الأوراش وضمان الوقع الإيجابي على تنافسية المقاولات وكذا تعزيز مكانة المغرب كقطب لجذب المزيد من الاستثمارات الدولية، فإن السياسة الوطنية ستعتمد آليات للحكامة تضمُّ متدخلين عن القطاعين العام والخاص، وخارطة طريق مُحددة وكذا منظومة للتتبع وتقييم الإنجازات.
وإلى جانب تكريس العمل الجماعي والأفقي وكذا الحكامة الجيدة، فإن تنزيل السياسة الوطنية سيعتمد مبدأ المرونة (agilité) وذلك من خلال تحيين مضامينها متى كانت الضرورة والظرفية تستلزمان ذلك.
حضرات السيدات والسادة؛
إن الغاية من اعتماد هذه السياسة الوطنية، هو تكريس الثقة بين مختلف المتدخلين وتثمين المكتسبات الهامة التي حققتها بلادنا في مجال تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار والمقاولة، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
- التعديل والمصادقة على عدة نصوص تشريعية وتنظيمية كمدونة التجارة والقانون الخاص بنظام الضمانات المنقولة والقانون المتعلق بصعوبات المقاولة والقانون المتعلق بشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة؛
- مراجعة الإطار التنظيمي الخاص بالصفقات العمومية وآجال الأداء وإحداث مرصد خاص بذلك؛
- إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، كفاعل أساسي في تنشيط الاستثمار والمواكبة الشاملة للمقاولات على المستوى الترابي؛
- مواصلة إصلاح الإدارة وتحديث خدماتها، من خلال تنفيذ ميثاق اللاتمركز الإداري، وتنزيل مقتضيات القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية بإعطاء انطلاقة العمل بالبوابة الوطنية الموحدة للمساطر والإجراءات الإدارية، وكذا تسريع التحول الرقمي لإرساء إدارة رقمية في خدمة المواطنين والمقاولات؛
- إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار بغية الرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص؛
- تفعيل برنامج " انطلاقة " لدعم وتمويل حاملي المشاريع والمقاولات وفقا للتوجيهات الملكية السامية.
هذا، وبالموازاة مع ذلك، نسعى من خلال تنزيل هذه السياسة الوطنية اقتراحَ حلول واقعية لمواجهة التحديات التي تعيق تطوير القطاع الخاص، بما يستجيب لحاجيات المقاولة الوطنية والمستثمرين.
إن اعتماد وتنزيل هذه السياسة الوطنية، من شأنه المساهمة بقوة في تعزيز جاذبية اقتصادنا للمزيد من الاستثمارات الأجنبية ومن خلال أيضا تبوء مكانة جيّدة في التصنيفات الدولية كتقرير ممارسة الأعمال الذي يصدر كل سنة عن مجموعة البنك الدولي، والذي ارتقينا فيه إلى المرتبة 53 عالميا مقابل المرتبة 128 سنة 2010؛ ولا شك أن بلادنا تسير بثبات لتحقيق هدف ولوج الاقتصاديات الخمسين الأوائل عالميا في هذا التقرير الذي ستصدر نسخته لسنة 2021 في القريب من الأيام.
وأود التأكيد في الختام على حرص الحكومة على توفير كافة الإمكانيات للشروع في التنزيل الأمثل لمضامين هذه السياسة الوطنية بتنسيق مع جميع الشركاء والأطراف المعنية، كما سيتم تعزيز دور وإمكانيات كتابة اللجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال لتمكينها من القيام بمهام التنسيق والتتبع والمواكبة وفق أفضل الممارسات والمعايير الدولية في هذا الشأن.
ولا يفوتني في الختام أن أتوجه بالشكر لأعضاء لجنة القيادة التي تمّ تكليفها بتتبع مختلف مراحل الإعداد واعتماد مخرجات هذه السياسة. وفي هذا الإطار، أدعو لجنة القيادة أن تواصل عملها لمواكبة تنزيل مختلف أوراش تحسين مناخ الأعمال.
كما لا يفوتني أيضا أن أتوجه بالشكر إلى كافة الأطراف والطاقات التي ساهمت في إخراج هذه السياسة الوطنية إلى الوجود.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير هذا الوطن تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وأسدل علينا جميعا نعمة الصحة والعافية والأمن والأمان.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.