جواب رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش على أسئلة السيدات والسادة المستشارين المتعلقة بالسؤال المحوري: "تفعيل ورش التغطية الصحية والاجتماعية بالمغرب لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية "
المحور : |
تفعيل ورش التغطية الصحية والاجتماعية بالمغرب لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية
|
---|---|
تاريخ الجلسة : | |
الدورة : |
أكتوبر 2022
|
السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم،
السيدات والسادة الوزراء المحترمون،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
1. أتقدم بداية بتحية تقدير لكل مكونات مجلسكم الموقر لمواكبتها ورش تكريس الدولة الاجتماعية الذي يحظى بالعناية المولوية السامية لصاحب الجلالة نصره الله، كما أنوه بحرصكم الجدي، على تتبع وتيرة العمل الحكومي في هذا الشأن وعلى اختياركم موضوع: "تفعيل ورش التغطية الصحية والاجتماعية بالمغرب لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية" كمحور لهذه الجلسة الدستورية.
حضرات السيدات والسادة،
2. إن الأزمة التي شهدها العالم إبان تفشي جائحة كوفيد - 19 كانت أزمة غير مسبوقة لا من حيث طبيعتها أو حجم التداعيات الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها، وبفضل الله وقوته، تمكنت السلطات العمومية من التحكم في تدبير مخلفات هذه الأزمة بشكل ناجع، وكان هذا الأداء موضوع إشادة على الصعيد الدولي. وتميزت تلك المرحلة بدينامية تضامنية جديرة بالتقدير، وكذلك بتعبئة قوية لجميع الفاعلين ومجموع المواطنين والقوى الحية للبلاد من أجل مكافحة آثار الجائحة. في تناغم وانسجام تام مع التعليمات المولوية السامية لجلالة الملك حفظه الله.
3. إلا أن شدة هذه التداعيات في سياقنا الوطني ليست وليدة اليوم، ذلك أن وجود مكامن الضعف وأشكال الهشاشة البنيوية في أنماط تدبير بعض القطاعات، قد شكل عاملا زاد من حدة الصعوبات التي تواجهها بلادنا، نتيجة التأخير الذي تمت مراكمته في تنزيل أوراش رئيسية من قبيل تعميم الحماية الاجتماعية وتأهيل المنظومة الصحية، وإدماج القطاع غير المهيكل، وتعزيز العدالة المجالية، والنهوض بالاقتصاد الوطني.
4. وبغض النظر عن مختلف التحديات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، فقد حرصت الحكومة وفق حس وطني جماعي مشترك، على اعتبار الأزمة فرصة حقيقية لإجراء تغيير جذري في أنماط التنظيم والتدبير العمومي السائدة في بلادنا. وهو التحول الذي يقتضي القيام بإصلاحات هيكلية عميقة كفيلة بالمساهمة في توفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي الجديد. بهدف التمكن على المدى المتوسط والبعيد من احتواء كل مظاهر الأزمات الراهنة، والمساهمة في إرساء دعائم مغرب أكثر إنصافا، وإدماجا وازدهارا وقدرة على الصمود في وجه التقلبات.
5. فطموح " مغرب الإدماج " الذي ما فتئت العناية الملكية توليه مكانة الصدارة والاستعجالية، وكآلية مقترحة في صلب النموذج التنموي لتحسين قيادة البرامج الاجتماعية. يبقى رهينا بمدى قدرة بلادنا على الحد والتخفيف من تفاقم التفاوتات الاجتماعية المطروحة، إن على مستوى تعبئة الموارد أو بلورة وتنزيل الاستراتيجيات، وكذا بمدى نجاعة منظومة الحماية الاجتماعية وتعزيز الروابط الوطنية.
حضرات السيدات والسادة،
6. لقد كان لزاما منذ بداية الولاية الحكومية الحالية، أن تتجه مختلف الجهود نحو اتخاذ قرارات سياسية حقيقية تؤسس لمرحلة جديدة، وتخلق دينامية تنموية غير مسبوقة، يكون فيها المواطن هو الشغل الشاغل لورش الدولة الاجتماعية بمختلف مشاريعها وسياساتها.
7. وهي المقاربة الكفيلة بإنجاح مشروع الحماية الاجتماعية بمعناه المندمج الذي يوازي بين الحماية كحق من حقوق الإنسان، وكسياسة تنموية تروم تحقيق الإقلاع الاقتصادي.
8. وبفضل هذا المسعى الطموح والمتجدد الذي يعكس وضوح القناعة الحكومية ووعيها العميق بكل أسئلة المجتمع وقضاياه الكبرى، وانخراطنا خلف الرؤية الملكية المتبصرة. شرعنا في إعادة موقعة مفهوم الحماية الاجتماعية في صلب السياسات العمومية، باعتبارها الركيزة الأساسية لأي عقد اجتماعي يروم إنصاف المواطنين وصون كرامتهم. فضلا عن كونها منظومة من الحقوق الاجتماعية التي تحمي وجود المواطن من تقلبات الحياة، وخلال فترات الضعف التي يتعرض لها في حياته، والتصدي لكل المخاطر التي يمكن أن تهدد سلامته وتماسكه.
9. فقد سبق لجلالة الملك أن أعطى تعليماته السامية بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2020 للتسريع في تنزيل مختلف مكونات منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا، معتبرا أن "توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية"، مضيفا جلالته في نفس الخطاب "أن الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة" (انتهى كلام صاحب الجلالة). وهو ما شكل بالنسبة للحكومة منهاجا مستنيرا لترشيد الإجراءات المتخذة في هذا الإطار.
10. وهو ما ينسجم مع إحدى التوصيات الرئيسية التي دعا إليها النموذج التنموي الجديد، والرامية إلى إرساء قاعدة صلبة للحماية الاجتماعية الأساسية تروم تعميم وتوحيد التغطية الصحية الشاملة. لتمكين جميع المواطنين من الولوج لسلة من العلاجات الأساسية، كمدخل مهيكل بإمكانه أن يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مهم، ويعزز لحمة المجتمع وقوة روابطه.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
11. فكما هو معلوم، تبين في السنوات الأخيرة بأن بلادنا أمام تحديات كبرى مرتبطة بضعف التغطية الصحية، بفعل الاختلالات البنيوية التي يعانيها العرض الصحي الوطني، فضلا عن قصور منظومة التأمين الإجباري عن المرض. الأمر الذي نتج عنه شعور كبير بعدم الرضا في أوساط المواطنين.
12. لذلك فقد شرعت الحكومة منذ الأسابيع الأولى لتوليها المسؤولية في احترام تام للجدولة الزمنية التي أعلنها جلالة الملك بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش المجيد، في إعداد الأرضية المثلى لبناء منظومة حديثة للحماية الاجتماعية ببلادنا، وتجاوز مختلف أشكال التشتت التي طبعت البرامج السابقة، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها. سواء من حيث محدودية نسبة التغطية الصحية أو من خلال ضعف آليات الحكامة والتنسيق المؤسسي.
13. وهو ما مكننا من بلوغ حصيلة جد إيجابية خلال السنة الأولى، حيث نجحت الحكومة بشكل غير مسبوق، في إرساء لبنات تضامن مؤسسي إجباري سيسهم في توفير الحماية للجميع وصيانة حقوقهم، فضلا عن تيسير سبل الولوج إلى خدمات الرعاية الصحية في ظروف لائقة، بشكل يضمن المساواة بين جميع المغاربة كيفما كانت وضعياتهم المادية والمهنية.
14. فمن حقنا جميعا أن نفتخر، بهذا المستوى المتقدم من العمل الذي تم استكماله، والذي يعد بحق ثورة اجتماعية في التعاطي مع القضايا الأساسية للمواطن وفي مقدمتها تكريس الحق في الصحة.
15. فقد نجحت الحكومة، وفاء بالتزاماتها وقبل انقضاء سنة 2022، في تعميم وتوسيع خدمات التأمين الإجباري عن المرض، لتمكين كل المغاربة، على قدم المساواة، من الاستفادة من خدمات تغطية صحية موحدة بغض النظر عن فئاتهم الاجتماعية أو المهنية.
16. وبالأرقام، ففي ظرف سنة واحدة انتقل العدد الإجمالي للمؤمنين من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 7,8 مليون فرد إلى أزيد من 23,2 مليون من المواطنات والمواطنين المغاربة (بإضافة 3,68 من العاملين غير الأجراء وذوي حقوقهم و9,4 مليون من المستفيدين من AMO-TADAMON).
17. وتماشيا مع ارتفاع أعداد المؤمنين، أبانت معطيات الولوج إلى العلاج عن ارتفاع أعداد المستفيدين من خدمات الصندوق:
- فقد بلغت أعداد ملفات العلاج الخاصة بفئة العاملين غير الأجراء برسم سنة 2022، حوالي 642.700 ملف،
- كما تجاوز عدد ملفات العلاج الخاصة ب AMO-TADAMON برسم شهر دجنبر الماضي فقط، 53.400 ملف، إضافة إلى 582.524 عملية استقبال بالمستشفيات العمومية (كلفت أزيد من 233 مليون درهم).
18. ولتكريس هذه الإنجازات غير المسبوقة وضمان استدامتها، وسعيا منها لتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم التأمين الإجباري عن المرض، فقد ظلت الحكومة حريصة على تطوير الجوانب المتعلقة بتدبير وحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، علاوة على اتخاذ التدابير ذات الطابع التشريعي والتنظيمي والمالي والمؤسساتي لإنجاح هذه العملية، مع مراعاة التوازن الهيكلي بين الموارد والاشتراكات من جهة، والنفقات والخدمات المقدمة ن جهة أخرى، وفق الهندسة القانونية التي تضمنها القانون الإطار رقم 21 - 09 المتعلق بالحماية الاجتماعية .
19. وفي هذا الصدد، لابد من التنويه بالجهود المبذولة من قبل مختلف المصالح الحكومية وشركائها المؤسساتيين. إن على مستوى قيادة وتنزيل مكونات المشروع أو فيما يخص محدداته التشريعية والتنظيمية.
20. فعلى مستوى قيادة هذا المشروع المهيكل، تم إحداث لجنة وزارية وأخرى تقنية للسهر على تتبع المشروع وحسن تنزيل مختلف مكوناته. وهكذا فقد حرصت شخصيا على عقد اجتماعات شهرية للجنة البين -وزارية للوقوف عن كثب على مستوى تقدم أشغال هذا المشروع، والسهر على إرساء تواصل مؤسساتي متناسق وتجنيد كل الأطر والوسائل والآليات اللازمة، عبر تعبئة مختلف الفاعلين المعنيين وضمان استعدادهم الكامل للانخراط في إنجاح هذا الورش.
21. في حين عملت اللجنة التقنية على عقد سلسلة من الاجتماعات الموضوعاتية ( تجاوزت 30 اجتماعا) من أجل تتبع تفعيل كافة النقط ذات الطابع التقني والعملي لتعميم وتنزيل هذا الورش في ظروف جيدة.
22. كما انكبت مختلف القطاعات الوزارية المعنية، على إدماج الفئات المهنية والأسر المعنية. وقد تميز هذا المجهود الحكومي بتعبئة مختلف المصالح الإدارية والتقنية، من خلال العمل على إحداث مصالح مختصة مركزيا وجهويا، بهدف مواكبة وتيسير الدعامات اللوجيستية الكفيلة.
23. أما على مستوى المواكبة التشريعية والتنظيمية، فقد تمكنت الحكومة من تغيير وتتميم القانون بمثابة مدونة التغطية الصحية وإخراج 29 مرسوما تطبيقيا وفق مقاربة استباقية مضبوطة، كمدخل أساسي لإحداث نظام موحد للتأمين الإجباري عن المرض. وهو ما ساهم في تمكين مجموعة من الفئات الجديدة من المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا من الولوج لخدمات التغطية الصحية، وتأمينهم وذويهم من مختلف المخاطر الصحية وتعزيز استقرارهم العملي والمهني مستقبلا.
24. بالإضافة إلى النجاح الحكومي في تحقيق نقلة نوعية لفائدة 4 ملايين أسرة من الفئات المعوزة المسجلة في نظام المساعدة الطبيةRamed ، والعمل على إدماجهم التلقائي في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ابتداء من فاتح دجنبر الماضي. بما يضمن الحفاظ على مكتسباتهم الاستشفائية في المؤسسات الصحية العمومية، وتعزيز استفادتهم من نفس الخدمات وسلة العلاجات التي يستفيد منها أجراء القطاع الخاص وموظفو القطاع العام.
25. وللتصدي لمختلف الاختلالات التي عرفتها الفترات السابقة، بفعل غياب أنظمة فعالة للحكامة التقنية للتغطية الصحية الإجبارية، فقد تمت تعبئة مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للقيام بالمراجعات اللازمة لمختلف هياكلها الإدارية وتحديث نمط تدخلاتها، باعتبارها الهيئة الوسيطة المكلفة بتلقي ملفات المنخرطين الجدد ومواكبة جميع المراحل الأساسية لهذا الورش.
26. حيث تم تعزيز الهيكلة الإدارية لهذه المؤسسة وتأهيل مواردها البشرية، عبر التمكن من أحداث مديرية جديدة تعنى " بالشؤون الصحية"، مهمتها تقوية مهام الصندوق وإدارة المخاطر الطبية وتطوير شراكات وطنية وأخرى دولية. بما يؤهلها لتقديم خدمات ذات جودة لفائدة المرتفقين.
27. ولتجويد نوعية تدخلاتها كذلك، تم العمل على إرساء مقاربة تواصلية جديدة لتحسين شروط استقبال المرتفقين، تقوم على تحسيس المواطنين والهيئات المهنية بأهمية هذا الورش الاجتماعي الجديد ومكوناته الرئيسية، علاوة على توسيع تمثيليتها الترابية وإبرام اتفاقيات شراكة مع مؤسسات ونقط القرب، والحرص على ضمان التوازن المالي للنظام على المدى المتوسط والبعيد .
28. وهي مناسبة كذلك للوقوف عن كثب حول العمل الكبير الذي تشرف عليه مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فبفضل المجهودات المبذولة، تمكن الصندوق من:
- تعزيز نسبة الموارد البشرية عبر توظيف أزيد من 1400 منصب إضافي خلال السنة الماضية؛
- إرساء خطة جديدة للتكوين الأساسي للأطر الإدارية؛
- إحداث مركز لمعالجة ملفات العمال غير الأجراء؛
- إبرام شراكات مع مؤسسات القرب والوساطة التي ستضطلع بمهام تحديد فئات العمال غير الأجراء وتحويل معطياتهم الشخصية لفائدة الصندوق CNSS؛
- افتتاح حوالي 47 وكالة جديدة للقرب، وإطلاق 45 وكالة متنقلة؛
- إحداث 8000 مركز تواصل لتسجيل العمال غير الأجراء الجدد؛
- إحداث 2000 نقطة اتصال لاستقبال ملفات التأمين الإجباري عن المرض؛
- إحداث 4000 وكالة قرب خاصة بأداء الاشتراكات
.. إضافة إلى تحسين شروط الولوجية وأداء الخدمات الإدارية لتحقيق مواكبة فعلية لنجاح هذا الورش الملكي.
حضرات السيدات والسادة،
29. إن قناعتنا الثابتة بتأسيس الشروط الضرورية لرسم ملامح عهد جديد من التغطية الصحية لفائدة جميع المغاربة، لا يوازيه سوى حرصنا الدؤوب على تثبيت المداخل الاستراتيجية لضمان ديمومته المالية وضبط قنوات الإستهداف الاجتماعي بالنجاعة المطلوبة.
30. ففيما يتعلق بشروط الإستدامة المالية، يجب التأكيد في هذا الإطار، أن توسيع الحماية الاجتماعية للعاملين رهين بمراقبة محكمة لإلزامية انخراط الأجراء وكذا العاملين غير الأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع الإلتزام بمواكبة أرباب العمل لأداء استحقاقات الأجراء في مواعيدها المحددة واتخاذ إجراءات زجرية عند الاقتضاء.
31. ودعوني هنا أذكر، بأن فعالية واستمرارية هذا التحول النوعي الذي نتقاسم اليوم ثماره لفائدة أبنائنا وأسرنا ومستقبل الأجيال الصاعدة، يستلزم الحرص على إجبارية أداء الاشتراكات في مواعيدها المحددة باعتباره نظاما للتأمين المبني على "معيار الدخل". حيث أن الفئات الجديدة المشمولة بمقتضياته ملزمة بأداء واجباتها التضامنية وفق ما هو محدد قانونا لضمان الإستفادة من خدمات الرعاية الطبية التي يقدمها، كآلية منصفة لتجسيد مبدأي المسؤولية الاجتماعية والتضامن الوطني.
32. ولعل هذه المقاربة المبتكرة هي التي مكنتنا من إطلاق برنامج AMO-تضامن عبر تحمل الدولة اشتراكات الأشخاص غير القادرين على أدائها، لضمان ولوجهم للتأمين الصحي والاستفادة من نفس سلة العلاجات التي يستفيد منها المؤمنون الأجراء، مع الاحتفاظ على المجانية في خدمات القطاع الصحي العمومي.
33. فمن غير المعقول اليوم، أن تستمر الدولة في تحمل نفقات الخدمات الصحية لفائدة العديد من الأنشطة المهنية والمهن الحرة، ما دامت قادرة على المساهمة وأداء واجباتها التضامنية. وهو ما من شأنه أن يضعف من وثيرة استهداف الأسر ذات الدخل المحدود، والحيلولة دون تحقيق الإنصاف الاجتماعي بشكل عادل.
34. من جانب آخر ولضمان تحسين حكامة ومردودية مختلف برامج الدعم الاجتماعي، انطلقت الحكومة في تفعيل منظومة الاستهداف الاجتماعي في جميع عمالات وأقاليم المملكة المغربية، بهدف تنويع وتوسيع آليات دعم الفئات الهشة، حيث باشرت الحكومة تنزيل السجلات الخاصة بالاستهداف، عبر تنفيذ مضامين القانون رقم 72.18 الرامي إلى وضع منظومة وطنية لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية.
35. ويأتي هذا التوجه الجديد في تدبير برامج دعم الأسر محدودة الدخل، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية التي حثت على الضرورة الملحة لإعادة هيكلة العرض الاجتماعي لبرامج الدعم، عبر إصلاح حقيقي للأنظمة والبرامج الاجتماعية المعتمدة حاليا. بغية التأسيس لمسار جديد من العمــل الاجتماعي الذي يرتكــز حول الجـودة، مــن خـلال المزيـد مـن الدقـة فـي وضـع البرامـج، وتعميـم إجـراءات التتبـع وتقييـم الأثر، والتحفيـز علـى الابتكار وعلـى تحقيـق النتائـج.
36. حيث يعتبر التسجيل في السجل الوطني للسكان RNP للحصول على "المعرف المدني والاجتماعي الرقمي" الخاص بهم، خطوة لازمة للتسجيل فيما بعد في السجل الاجتماعي الموحد RSU لاحتساب المؤشر الاجتماعي والاقتصادي للأسر الذي يتم اعتماده لتحديد الأفراد والأسر المستحقة والراغبة في الاستفادة من مختلف برامج الدعم التي تقدمها الدولة بشكل شفاف، وفي مقدمتها في المستقبل "AMO-تضامن" والتعويضات العائلية التي نشتغل على تفعيلها ابتداء من هاته السنة.
37. ومن شأن التقيد بهذه الإجراءات الإدارية الجديدة، تعزيز الانخراط الجماعي في إنجاح هذا الورش، ولأجل ذلك خصصت الدولة مصالح للخدمات رهن إشارة المواطنين تحرص على مدهم بالمعلومات ومواكبتهم خلال كل المراحل الإجرائية.
38. واسمحوا لي هنا أن أشيد بالعمل الجبار الذي يشرف عليه السادة الولاة والعمال ورجال السلطة، وعلى تفانيهم ومجهوداتهم الميدانية، وحرصهم الدؤوب على ضمان التقائية التدخلات على المستوى الترابي، مع السهر على مد المواطنين والأسر بالمعلومات الضرورية وتتبع تنزيل هذا الورش في أحسن الظروف وفي أسرع الآجال.
حضرات السيدات والسادة،
39. إن توفير المداخل الكبرى لكسب رهانات تعميم الحماية الاجتماعية ببلادنا، لن يكون ذو مردودية وأثر حقيقي على المستوى الميداني دون وجود بنية استشفائية قادرة على مواكبة هذا التحول الاجتماعي.
40. وهو ما يلتقي مع إحدى الاختيارات الاستراتيجية للحكومة والتي تهدف إلى إحداث تأطير صحي متكافئ على مجموع التراب الوطني، لضمان رعاية صحية مستدامة للجميع ضد الأمراض والمخاطر الصحية بمختلف أنواعها. واستدراك التأخر الهيكلي في هذا المجال، لاسيما ما يتعلق بالبنيات الاستشفائية والأطر الصحية وتطوير قدرات إنتاج الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية الأساسية.
41. فعلى الرغم من التطورات المتلاحقة التي عرفها الميدان الصحي بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، فقد ظل يعاني من مشاكل بنيوية يتمثل عنوانها البارز في صعوبة الولوج للعلاجات وخدمات صحية لا ترقى للحاجيات والانتظارات.
42. كما تتوزع أهم مظاهر هذه الاختلالات المسجلة في ضعف تجهيز المؤسسات الطبية العمومية، وارتفاع كلفة الأدوية والعلاج بالمؤسسات الطبية الخاصة بالمقارنة مع القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والمعوزة. هذا بالإضافة إلى عجز المنظومة الصحية على المستوى الجهوي وعدم قدرة العديد من الجهات على التكفل بالمرضى، بسبب التوزيع غير العادل للموارد البشرية والمادية على مستوى التراب الوطني.
43. لذلك كان لزاما أن تنصب الجهود الحكومية نحو بلورة مقاربة جديدة لحكامة وتأهيل خدمات القطاع الصحي، باعتباره أحد الأسس الكبرى التي تهيكل تعاقدها مع المواطنات والمواطنين عبر السعي نحو إعادة النظر في مسار العلاجات الأساسية وإحداث تحول عميق في نوعية الخدمات الطبية المقدمة.
44. وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية بهذا الخصوص، تقود الحكومة الحالية ورشا إصلاحيا مبتكرا للقطاع ليكون في مستوى ورش تعميم التأمين الإجباري عن المرض وبرامج الدعم الاجتماعي اللاحقة، تستند مكوناته الرئيسية إلى مضامين القانون - الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، الذي تم عرضه على أنظار جلالة الملك نصره الله وحظي بالموافقة من قبل مجلسي البرلمان.
45. وفي هذا الإطار أولت الحكومة عناية كاملة لهذا القطاع الحيوي، عبر تحقيق تجاوب فعلي وتعبئة موارد مالية مهمة وتصويب اختياراتها الميزانياتية بدقة واستباقية. عبر الرفع التدريجي من ميزانية الصحة في السنة الأولى والثانية من ولايتها، حيث بلغت 23 مليارا و551 مليون درهم سنة 2022، بزيادة قدرها ثلاثة ملايير و741 مليون درهم مقارنة بسنة 2021. وهو ما تعزز من خلال قانون مالية 2023 ليصل إلى 28 مليار رهم بزيادة قدرها 4,6 مليار درهم مقارنة بالسنة الفارطة. علاوة على تخصيص ما يناهز 9,5 ملايير درهم لمواكبة 4 ملايين أسرة ستستفيد من خدمات AMO-Tadamon، لضمان ولوجها للمؤسسات الاستشفائية على غرار باقي المستفيدين من التغطية الصحية الإجبارية.
46. وتجدر الإشارة إلى أن مكونات هذه المقاربة تتضمن 4 رافعات كبرى و11 إجراء محوريا، تستهدف تقوية هذه المنظومة وتعزيزها لتستجيب لمختلف التحديات وضمان نجاح الأوراش الكبرى التي انخرط فيها المغرب.
47. فالركيزة الأولى لهذا الإصلاح تهدف إلى اعتماد حكامة جديدة تتوخى تقوية آليات التقنين وضبط عمل الفاعلين وتعزيز الحكامة الاستشفائية والتخطيط الترابي للعرض الصحي، على كافة المستويات الاستراتيجية والمركزية والترابية وذلك من خلال:
- إحداث الهيئة العليا للصحة لتعزيز مهمة التأطير التقني للتأمين الإجباري عن المرض وتقييم جودة خدمات المؤسسات الصحية بالقطاعين العام والخاص وإبداء الرأي في مختلف السياسات العمومية الصحية؛
- إحداث المجموعات الصحية الترابية، التي ستناط بها مهمة إعداد وتنفيذ البرنامج الطبي الجهوي، وتقوية آليات التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص؛
- إحداث وكالة الأدوية والمنتجات الصحية وإحداث الوكالة المغربية للدم ومشتقاته؛
- مراجعة مهام ووظائف وهيكلة الإدارة المركزية.
48. في حين تسعى الركيزة الثانية إلى تثمين الموارد البشرية، من خلال إحداث قانون الوظيفة الصحية لتحفيز الرأسمال البشري بالقطاع العام، وتقليص الخصاص الحالي في الموارد البشرية وإصلاح نظام التكوين فضلا عن الانفتاح على الكفاءات الطبية الأجنبية، وتحفيز الأطر الطبية المغربية المقيمة بالخارج وحثها على العودة إلى أرض الوطن.
49. فبغلاف مالي يفوق 3 مليار درهم، وقعت الحكومة على اتفاقية -إطار تهدف إلى الرفع من عدد مهنيي الصحة من 17.4 لكل 10.000 نسمة المسجل سنة 2021 إلى 24 بحلول العام 2025 ثم إلى 45 في أفق سنة 2030 (للتوافق ومعايير المنظمة العالمية للصحة المحددة في 23 من مهنيي الصحة لكل 10.000 نسمة). علاوة على مضاعفة العاملين في القطاع الصحي من 68 ألف، سنة 2022 إلى أكثر من 90 ألف بحلول سنة 2025، وهو ما يستدعي الرفع من عدد خريجي كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان مرتين، وعدد خريجي المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة ثلاث مرات في أفق 2025، إضافة إلى إرساء هندسة جديدة للتكوين الأساسي في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، وإحداث 3 كليات للطب والصيدلة و 3 مراكز استشفائية جامعية بكل من الراشيدية وبني ملال وكلميم والداخلة مستقبلا .
50. أما الركيزة الثالثة فهي موجهة نحو تأهيل العرض الصحي، بما يستجيب لانتظارات المغاربة، بغية تيسير الولوج للخدمات الطبية والرفع من جودتها، والتوزيع العادل للخدمات الاستشفائية عبر التراب الوطني، عبر إصلاح مؤسسات الرعاية الصحية الأولية وتأهيل المستشفيات، ثم التأسيس لإلزامية احترام مسلك العلاجات، وإحداث نظام لاعتماد المؤسسات الصحية.
51. وترتبط الركيزة الرابعة برقمنة المنظومة الصحية الوطنية، وذلك عبر إحداث منظومة معلوماتية مندمجة لتجميع ومعالجة واستغلال كافة المعلومات الأساسية الخاصة بالمنظومة الصحية. وذلك في أفق الحرص على تجميع مختلف خدمات المسار العلاجي للمواطنين في القطاعين العام والخاص وتحسين آليات تتبعها ومعالجتها.
52. وختاما، أود أن أؤكد لمؤسستكم المحترمة، وعبر كل مختلف مكونات الرأي العام الوطني، بأن مسألة ترسيخ التقدم الديمقراطي والتنموي ببلادنا، كمدخل أساسي لتحول الاقتصاد الوطني وتعزيز الكرامة والعدالة الاجتماعية. لن يتأتى دون مواصلة بذل التضحيات الضرورية والتحلي بروح الإبداع والابتكار، وتحقيق التعبئة الجماعية المسؤولة لكل أفراد المجتمع المغربي.
53. فالمؤكد اليوم، أن النموذج الإصلاحي المغربي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك نصره الله، أبان فعلا عن إشعاع استثنائي وذلك باعتراف واضح على الصرحين الدولي والإقليمي، إذ بفضل قوة وصمود اختياراته استطاع مواجهة تحديات العصر والتحولات الانتقالية التي تعرفها جل المجتمعات.
54. فقد أبانت بلادنا، في سنة حافلة بالرهانات والتحديات، عن نجاعة خياراتها التنموية ورؤيتها الاستراتيجية، وقد تجلى ذلك من خلال القدرة على إطلاق إصلاحات كبرى اجتماعية واقتصادية دون المساس بالتوازنات أو بالمكتسبات وفق رؤية إصلاحية متجددة في إطار دولة المؤسسات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.